من الحقائق المسلّمة أن الطبيعة البشرية لا تسير على وتيرة واحدة.. ولا نهج متسق!! كما أنها تتباين الوسائل والأساليب التي بها يعيش الناس حياتهم ويعمرون أوقاتهم. وأيّاً كان الإنسان كبيراً أو صغيراً، متعلماً أو أُميّاً، غنياً أو فقيراً، وجيهاً أو وضيعاً، رئيساً أو مرؤوساً حيثما كان وضعه وأينما وجد مكانه فإنه يعيش لحظته الحالية ولا يدري عن ساعته القادمة ماذا سيعتريها من تغيير؟! فضلاً عن غده وشهره وسنته وسائر سنيّ عمره! فالليالي حبالى بالمواقف والأحداث، وتسارع عجلة الزمن تجعلك ترى تبدل الحال ما بين كل غمضة عين وانتباهتها!! ذلك يدعونا إلى الحديث ابتداءً عن ضرورة العناية بتكييف الذات والبيئات والظروف والمواقف على آلية التعامل مع متغيراتها. والقدرة على التعاطي مع مستجدات الأحداث بروح إيجابية تستثمر الأحداث بأعلى مستوى من الاحترافية، وتتجاوز المخاطر بأقل قدر من الخسائر. فإذا ألمّت بالإنسان ضائقة أو تعرض لمشكلة تفاقمت حتى تحولت إلى أزمة كان حينها مهيأً لتجاوز ما يحيط به من سلبيات وما يزعجه من عوارض وما يعقبها من تبعات. إن النجاح الحقيقي في التعامل مع الأزمات يتمثل في القدرة على تحقيق الوقاية منها قبل استفحالها وذلك بالدراسات العلمية والإجراءات الاحترازية و التكيفات الاستباقية. فإذا ما قدّر الله أن تقع كان التعامل معها بالحكمة وأعلى مستوى من الجودة والاحترافية والمهنية. إن مثلث الأزمات الذي يشكل أبعادها الحقيقية يرتكز على: المفاجأة، السرعة والتهديد، ويمكننا التغلب على عنصر المفاجأة بالاستعداد والتهيؤ المبني على دراسة الواقع دراسة علمية حقيقية آنية متجددة بتجدد الظروف والمتغيرات. وسرعة الوقت نستطيع التغلب عليها بالتخطيط الاستراتيجي الاحترافي الاستباقي. كما يمكننا تجاوز التهديد الكامن في الأزمة بالمواجهة الحكيمة التي تعكس تحقيق الرؤية السليمة والرسالة الصحيحة والأهداف المرسومة الممنهجة. لقد عانت دول ومؤسسات وأسر من أزمات متنوعة بكافة أشكالها ومختلف مسمياتها: اقتصادية، تعليمية، اجتماعية، نفسية أو حتى سياسية وأمنية وبيئية وفكرية. وفيما نالت ممن تعرض لها شيئاً كثيراً؛ فقد تمكن بعض أولئك من استخدام أطواق النجاة والسلامة إما بشكل جزئي أو كلي!! يبقى السؤال الجدير بالإجابة والرصد والمتابعة والتقويم: كيف يمكننا إدارة الأزمة إدارة استباقية بالوقاية من الدخول فيها، أو تجاوز الخطوط الحمراء إذا لم تُجدِ سُبل الوقاية منها، والقدرة على الخروج منها بأقل قدر ممكن من الخسائر؟! إن وجود بنية تحتية داعمة وكفاءة مهنية مُعدّة مسبقاً للتعامل مع مثل هذه المواقف أمر ينبغي أن تحرص عليه الكيانات البشرية من دول ومؤسسات وأُسر.. وهذا ما تحتاجه المجتمعات ولعله أن يبدأ البناء بوضع إدارة معنية بالأزمات في مختلف الوزارات والمؤسسات يِشبه دورها دور الطب الوقائي في توقع ما يحيط بالعالم من أزمات وأوبئة أو ما يمكن أن تؤدي بعض الظروف الراهنة إلى حدوثه. ومن ثم إعداد دراسات وأرقام ومعلومات وقواعد بيانات ومتخصصين ومدربين لوضع حيثيات التعامل مع مثل هذه الأوضاع. إن بناء الكفاءات لإدارة الأزمات أولوية ينبغي أن تُدرج ضمن التقسيمات الإدارية والمخصصات المالية والتصنيفات الوظيفية والكفاءات البشرية والتدريبات الواقعية العلنية الميدانية. والقواعد البيانية والإحصاءات الوطنية الحقيقية. حريّ بنا بعد ذلك أن نصنع كفاءات وخبرات ليست قادرة على إدارة الأزمات وحسن التعامل معها فحسب بل تصدير تلك المعرفة عن طريق الخبراء الوطنيين لمختلف دول العالم. إن هذا يدعم الاقتصاد المعرفي الذي توليه المملكة عناية فائقة وتحرص على تأسيس مرتكزاته. ألم يأن للذين يطمحون في أن يكونوا من مكونات العالم الأول أن يستعدوا لما يجعلهم يصدّرون تلك الخبرات للعالم بدل أن يستوردوها. هذا محل طموح الشعوب المتطلعة إلى الرقي والتقدم في ظل ولاة أمر جعلوا غاية اهتماماتهم تحقيق الكفاية التامة والرقي على كافة الأصعدة لأوطانهم ومواطنيهم.