يدخل العالم القرن الحادي والعشرين من خلال مفهوم العولمة وتحدياتها سواء أكانت إيجابية أو سلبية، ونجد أن مؤسسات الدولة على اختلاف مهامها وأنشطتها مرغمة على تطوير أساليبها ومناهجها، لمواجهة الأزمات والأحداث والمواقف والمستجدات. إن التخطيط السليم للمستقبل لا يمكن تحقيقه إلا من خلال توظيف التنبؤ لمثل هذه الأحداث قبل أن تتحول إلى أزمات وكوارث. ومن هنا تظهر أهمية معرفة أو توقع أو تنبؤ ماذا سيحدث غداً من مشكلات وما يستجد من مخاطر ومهددات إضافة إلى أن إعداد العدة واستكمال التجهيزات وتطوير وتحديث الآليات والأساليب في ضوء ما يتم التنبؤ به أصبح أمراً حتمياً لكافة المؤسسات وعلى مستوى العالم. فالتنبؤ يُعَدُّ أحد المقومات والمراحل الأساسية للتخطيط وفي نفس الوقت يُعَدُّ نشاطاً ذهنياً يرتبط بوجود النشاط البشري. لذا تتوقف درجة فاعلية إدارة الأزمات والكوارث على أهمية التنبؤ العلمي بالمتغيرات البيئية حتى يمكن رسم السياسات الفاعلة والملائمة لهذه المتغيرات التي عادة ما تكون خارج سيطرة المنظمة أو المؤسسة. فعملية تحريك (قرني الاستشعار) لاستكشاف الأزمات قبل حدوثها يمثل بُعداً استراتيجياً، خاصة وأن العالم الآن أصبح مفتوحاً فما يحصل في أي بلد قد ينتقل إلى عدة بلدان أو قد تتأثر به على أقل تقدير، فالمهددات التي نراها عبر أدوات العولمة وثورة المعلومات والتكنولوجيا التي يعيشها العالم ومع تزايد موجات الفقر والأمراض والأوبئة والمجاعات والقتل والأعاصير والسيول وظهور وتطور الجرائم الإرهابية والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية ماذا يمكن أن نطلق عليها في عالم اليوم؟ إنها عبارة عن نماذج لأزمات تحتاج إلى آليات للتنبؤ بها قدر الإمكان والتعامل مع أسبابها قبل حدوثها. إن ما يؤرق الدول ومؤسساتها التنبؤ بأزمات الغذاء المستقبلية نتيجة وجود العديد من المتغيرات التي تنذر بحدوث مثل هذه الأزمات سواء أكانت عوامل بيئية أو ديموغرافية مما جعل كافة المؤسسات تعلق جرس الإنذار لمواجهتها بأدوات علمية قبل حدوث أية انعكاسات سلبية على التنمية بمفهومها الشامل أو تهديدات أمنية لا سمح الله، خاصة بعد تنبؤ البنك الدولي بوقوع الأزمات الغذائية في الدول التي تعاني من عوامل بيئية خارجة عن السيطرة وعوامل ديموغرافية لها تأثيرها وفي نفس الوقت تفتقر إلى دراسات وتحليلات تستشرف المستقبل ومهدداته. إن علم إدارة الأزمات crisis management من العلوم المهمة التي تعتمد عليها الدول المتقدمة في التعامل مع الكوارث والأزمات ولذلك عمدت إلى: @ العمل على تصميم العديد من البرامج التدريبية ذات العلاقة، وفي نفس الوقت إنشاء واستحداث العديد من مراكز التدريب المتخصصة والمتقدمة لتدريب الكوادر البشرية ميدانياً للتعامل باحترافية ومهنية مع المستقبل ومهدداته الأزموية ومن ثمَّ معالجتها في حالة وقوعها. @ توفير التقنيات الحديثة والأجهزة والمعدات التي تحتاجها القطاعات الأمنية أو المدنية المعنية للوقاية منها قبل حدوثها ولمواجهتها في حالة حدوثها. @ عقد المؤتمرات والندوات والحلقات العلمية وورش العمل التي تجمع الخبراء بالكوادر البشرية لصقل مهاراتهم وتطوير مستوى أداء العاملين للتنبؤ بالأزمات. إن عصرنا الحاضر يتطلب من خبير الأزمات التحول إلى طبيب يعمد إلى التشخيص الصحيح والعلمي لبوادر الأزمة للتعامل معها بعيداً عن الارتجالية والعشوائية بعد توفر المعلومات الصحيحة في الوقت المناسب باعتبارها الأساس العلمي لعملية التشخيص مع مراعاة البيئة التي تحدث فيها والتعامل معها وفق ضوابطها وأنظمتها فلكل بيئة حلولها المناسبة التي تستطيع التنبؤ بأزماتها ومعالجتها وفق قاعدة (تشابه الأعراض لا يعني تشابه الأمراض). إن إيجاد مراكز متخصصة بعلم إدارة الأزمات والكوارث أصبح ضرورة استراتيجية للتعامل مع أحداث القرن الحادي والعشرين وتدريب الكوادر البشرية للتعامل معها، وجعل كافة مؤسسات الدولة في حالة استنفار لمواجهة مثل هذه الأزمات قبل وقوعها والتعامل معها عند حدوثها لا سمح الله.. ومن هذا المنطلق تتضح أهمية البعد الاستراتيجي للتنبؤ بالأزمات الذي أصبح دوره ضرورياً جداً في هذا العصر. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى الحاجة إلى عقد المؤتمرات والندوات وتصميم البرامج التدريبية وتسخير التقنيات الحديثة لمواجهة الأزمات والكوارث تأخذ في الاعتبار برامج للإدارة العليا وجرعات تدريبية تخصصية للعاملين للمواجهة في حالة حدوث الأزمات باحترافية ومهنية وتحت أية ظروف، إضافة إلى أنه لا يمكن إهمال الإعلام وقت الأزمات. فوصول الرسالة صحيحة ومن خلال نقلها في الوقت المناسب للمستقبل يُعَدُّ عاملاً مهماً في نجاح التعامل مع الأزمات، فالإعلام له دور حيوي وأساسي في دق جرس الإنذار حول التنبؤ بوقوع أزمات معينة والعمل على مواجهتها قبل أن تحدث ويحصل لها انعكاسات أكبر.