عُطّلت الدراسة في جميع مدارس محافظة جدة بنين وبنات، وتوقفت الحركة في أغلب الشوارع والطرقات، واحتجزت المياه العديد من الأسر، وحوصرت البيوت لدرجة عدم القدرة على مغادرتها.. كل ذلك كان نتيجة سقوط أمطار في مدة لا تتجاوز الساعة ليلة السبت الماضي، بينما تعيش الأجهزة الحكومية التي لها علاقة مباشرة بأضرار السيول، وتجمعات مياه الأمطار حالة طوارىء على مدار الساعة، ووصل الأمر إلى حالة من العزلة نتيجة إغلاق مداخل، وعبّارات أحياء شرق طريق الحرمين والعديد من الأنفاق. ومع كل غيمة أو برق يحبس الأهالي في جدة أنفاسهم خوفاً من كارثة جديدة.. وإن كان من ميزة لمعاناة جدة مع المطر فهو الاستعداد الذاتي لمواجهة القادم المجهول، ويمكن تبرير الخوف الذي وصل إلى حد الرعب لدى الكثير من ساكني جدة هو نتيجة الصعوبات التي تواجه الأجهزة الحكومية المعنية في التعامل مع أخطار السيول، وتجاربهم السابقة مع تصريحات مسؤولي الأمانة عن مخططات ومشروعات طول عام كامل لدرء أخطار السيول ولا شيء منها على أرض الواقع، ويشارك الأمانة القصور العديد من الجهات الحكومية الأخرى التي تبرر تقصيرها المعتاد مع كل إخفاق. لذا؛عدم وجود خطط طوارىء قائمة على علم ودراسة تسهم في بث الاطمئنان وتعيد الثقة للناس؛ يطرح سؤالاً عن حجم وقدرة الجهات الحكومية في التصدي مستقبلاً للكوارث وتقليل الخسائر والحفاظ على الأرواح. مشاكل جدة حالياً وتواجه جدة تحديات كبيرة تتمثل في عدم كفاية المشروعات المنفذة مع حجم التوسع الكبير الذي تواجهه المدينة والكثافة السكانية الهائلة، مما أدى إلى عدم قدرة الأجهزة الحكومية بوضعها الحالي على مواجهة الطوارىء التي تتكرر كثيراً، وأول المشروعات التي تأخرت كثيراً مشروع الصرف الصحي، ومازالت حالة من التوجس تواجه ما ينفذ منه حالياً؛ كون الصرف الصحي الحالي لا يغطي أكثر من ربع مساحة جدة، إضافة لقدم شبكة الصرف وانتهاء صلاحية المضخات ومحطات التنقية في المحطات القائمة حالياً، وتعاني غالب الأحياء التي تخدمها الشبكة القديمة من طفوحات المجاري وانسداد قنوات التصريف، يأتي بعدها عدم كفاية مشاريع تصريف السيول وبقاء مياه المطر في كثير من الأحياء إلى حين تبخرها. سوء استغلال الأزمة في حين تواجه طرق جدة اختناقات مرورية دائمة لوجود عدد من مشروعات جسور وأنفاق في الطرق الرئيسة؛ مما تسبب في كثير من الاختناقات، إضافة إلى كثافة السير على طريق الحرمين التي تصل إلى عشر مرات من حجم استيعابها، وبطء إدارة الطرق والنقل في تنفيذ الدائري الجديد والأسوأ من ذلك مسار قطار الحرمين الذي يتوسط الجزيرة الواقعة في منتصف طريق الحرمين، حيث يتوقع البدء قريباً في إزالة جسر التحلية وباقي الجسور، ولا يعلم إلا الله حجم الاختناقات التي سيشهدها طريق الحرمين، وتسبب امتناع أصحاب وايتات شفط المجاري في بقاء جدة تسبح في بركة مياه ولم يتم الانتهاء من المفاوضات معهم إلاّ في اليوم الثاني من سقوط الأمطار نتيجة تأخر مستحقات مالية لهم من سيول العام الماضي، في حين مازالت المشاريع المنفذة لتصريف السيول غير كافية. د.نايل مومني واقع الأجهزة الحكومية وأكد ل "الرياض" أمين محافظة جدة "د.هاني أبو راس" أنّ مشاكل جدة مع آثار الأمطار والسيول لا يتوقع أن تنتهي خلال عام أو عامين نظراً لعدم استكمال العديد من المشروعات، في حين لاينفي "العميد عبدالله جداوي" مدير إدارة الدفاع المدني بجدة وجود قصور على أرض الميدان، مؤكداً وجود خطط طوراىء من خلال مايسمى ب "خطط تنفيذ التدابير للدفاع المدني في حالات الطورائ" يشترك فيها بالإضافة للدفاع المدني كل من الأمانة والمرور والنقل والطرق والاتصالات والتعليم بشقيه والصحة وغيرها من الجهات ذات العلاقة، موضحاً أنه في حال كانت كميات الأمطار مابين 10 إلى 30 ملم فإنّ هذه الجهات تجتمع في غرفة عمليات التنسيق بالأمانة، أما إذا تجاوزت كمية الأمطار ال 30 ملم فيكون مقر اللجان في إدارة الدفاع المدني بحيث يمثل كل جهة مندوب رسمي يتولى التنسيق والمتابعة مع جهته على مدار الساعة. مشروعات عاجلة في حين يقر "م.علي القحطاني"- وكيل أمانة جدة للخدمات- بوجود خلل في الخطط التنفيذية وحاجة مدينة جدة لمزيد من المشروعات العاجلة لمواجهة أخطار السيول وظروف لا دخل للأمانة فيها تسببت في تأخر شفط المياه، موضحاً أن الأمانة تعرضت لنقد غير موضوعي نتيجة الصورة الذهنية السيئة عن الأمانة طيلة عقود، أما "العميد محمد القحطاني" فيشير إلى صعوبة الوصول لبعض المواقع نتيجة تجمعات المياه وحالة الذعر التي تصيب قائدي المركبات وقت الأمطار ويبرر عدم التواجد ميدانياً لذلك، مذكراً بما تم عمله يومي سقوط الأمطار حين قامت إدارة المرور بإغلاق بعض الأنفاق وعبارات أحياء شرق طريق الحرمين. د.أيمن فاضل حجم الخسائر وقدرت أمانة مدينة جدة حجم تكاليف الأضرار الناجمة عن سيول العام الماضي بأكثر من ملياري ريال تتوزع بين تعويضات لترميم البيوت والسيارات التالفة التي جرفتها السيول والإيواء في الشقق المفروشة وقيمة الممتلكات الخاصة في المحال التجارية، في حين أنّ هذه التكاليف لا تشمل الممتلكات العامة الحكومية وما صرف لإصلاح الشوارع والطرقات والإنارة والأرصفة والمباني الحكومية المتضررة، وهذا الهدر المالي والأضرار الناجمة عن مثل هذه الكوارث والأزمات يستدعي البحث عن حلول تحول دون استنزاف الأموال وتأخير التنمية وهدر الأموال والمخاطرة بأرواح الناس وبالتالي الانتقال من إدارة الأزمات إلى التخطيط لاستباق الأزمات والكوارث وتهيئة مختلف الأجهزة للتعامل معها. وقاية من الأخطار ويطرح "د.أيمن فاضل" -مدير مركز التميز لإدارة الأزمات ورئيس الجمعية الدولية لإدارة الأزمات بالشرق الأوسط- تصوراً يتناسب مع ماتعيشه المملكة من تهديدات وأزمات يمكن أن تواجهها مستقبلاً الطبيعية منها والبشرية، مؤكداً على ضرورة إنشاء هيئة وطنية لإدارة الأزمات تقي من الأخطار باستباقيتها والوقاية منها أو بإدارتها بأسلوب علمي ومهني قائم على دراسات واستراتيجيات، معتبراً أن تأسيسها ضرورة وطنية ملحة، ستتيح للدولة التكيف مع كافة المخاطر المتوقع حدوثها، كما يشير إلى أن هذا المفهوم سوف يسهم في تحول كبير لمفهوم عمل الإدارت العاملة في مختلف قطاعات الدولة وقت الأزمات، من خلال استغلال البنية التحتية المتاحة والتأكيد على عدم الازدواجية بين الجهات المعنية والمواءمة بين أعمال المؤسسات المعنية بالأزمات قبل وخلال الكوارث. الهيئة الجديدة «جرس إنذار» يبلغ عن الحوادث المحتملة ويقدم الحلول قبل أن تقع جرس إنذار ويشير "د.فاضل" إلى أنّ دور الهيئة لا يقتصر فقط في وقت الأزمات وإنما يمتد عملها وقت الاستقرار، كونها ستعمل كخلية تفكير للدولة من خلال تحليل المخاطر والوصول إلى مرحلة التكيف الاستراتيجي مما يجعلها جرس إنذار يبلغ عن الأزمات المحتملة ويضع تصورات وحلولا مقترحة تمنع من حدوث الأزمة أو تحد من أضرارها نتيجة الاستعداد القبلي لها، أما وقت الأزمات فيرى "د.فاضل" أنّ عملها يتحول إلى مركز قيادة وسيطرة لإدارة العمليات وتقديم المعلومات اللازمة أمام المسؤولين لاتخاذ القرارات الصحيحة بالإضافة إلى دور ووسيط وطني بين صاحب الشأن "أي المسؤول بالأزمة" بمساعدة فريق الهيئة المؤهلين والمدربين وفق احدث تدريب في مجال إدارة الأزمات. م.علي القحطاني رؤية منهجية ويقدم الخبير الدولي "د.نائل المومني" -أستاذ إدارة الكوارث والأزمات بجامعة الملك عبد العزيز وعضو لجنة التخطيط في الجمعية الدولية لإدارة الأزمات- رؤية منهجية لدور هيئة إدارة الأزمات الذي يمكن تلخيصه في عبارة "المجتمعات المستعدة" مثل ماهو معمول به في الدول المتقدمة، مشيراً إلى أنّ أمريكا أنشأت وزارة مهمتها إدارة الكوارث والأزمات هي وزارة الأمن القومي وكذلك في روسيا، في حين بدأت كل من دولة الإمارات وسلطنة عمان في إنشاء هيئة وطنية لإدارة الأزمات، وأنشأ المركز الوطني للأمن وأسمتها الأردن إدارة الأزمات، مستعرضاً مهام هذه الهيئات التي تتمثل في أربعة مراحل أولها مرحلة "التخفيف أو الوقاية" من خلال التنبؤ بالأزمات قبل حدوثها من واقع المخاطر والتهديدات التي يتوقع حدوثها بيئياً وطبيعياً وخلافه لأنّ كل كارثة لها أساس علمي في التعامل معها قائم على دراسات وأبحاث وتجارب. التحديات بدون تنسيق مسبق قبل الأزمة أكبر من طاقة الإدارات الحكومية.. التعامل الاحترافي واستشهد "د.مومني" بحالة السيول التي هطلت على جدة مؤخراً كمثال على ما يمكن التعامل به، حيث يشير إلى أنّ التعامل الاحترافي مع أخطار السيول كان سيقلل من أضرارها إن لم يمنع أي ضرر ناتج عنها ويكون ذلك بعمل سدود احترازية فورية في الأودية المتجهة مصابها إلى أحياء المدينة، والتحذير عبر وسائل الإعلام والتنبيه بعدم التواجد في أماكن الخطر بالبث المباشر والتواصل عبر الوسائط التقنية، والإرشاد إلى أماكن تواجد الجهات الإغاثية، أما المرحلة الثانية فتتمثل في "الاستعداد" وهي مواجهة الخطر قبل حدوثه من خلال تهيئة المناطق المتضررة لمواجهة السيول وعمل صيانة سريعة لمجاري وقنوات التصريف وتواجد آليات الشفط في مواقع تجمعات المياه وآليات الدفاع المدني والمرور وغيرها من الجهات المعنية، وتأتي المرحلة الثالثة وهي "الاستجابة" بالإنقاذ والتدخل السريع ومباشرة الأضرار التي ستتوزع في الأرواح والممتلكات والبيئة، وتأتي المرحلة الرابعة والأخيرة وهي "المعافاة" كمرحلة لإعادة البناء وتأهيل المناطق المتضررة. العميد عبدالله جداوي ثقافة الوعي ولا ينسى "د.مومني" التأكيد على غياب ثقافة الوعي للتعامل مع الأزمات لدى المسؤول والمتضرر في العالم العربي، موضحاً أنّ عمل المتطوعين في الأزمات بحاجة إلى إعادة نظر ليتم توظيف عملهم بما يخدم الجهود الإغاثية ويحقق فائدة للمتضررين وحتى يتحول التطوع من نظام الفزعة إلى إدارة احترافية للأزمة، مطالباً بالاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في العمل التطوعي حين يتم التطوع وفق المهن والتخصصات ويصبح لدى الجهات المعنية بإدارة الأزمات قاعدة بيانات بالأطباء المتطوعين والمهندسين والحرفيين والمتخصصين في علم النفس وعلم الاجتماع وخلافه مما يسهل الاستفادة من خبراتهم ويحد من العمل العشوائي الذي يتحول أحياناً إلى تهديد لجهود العاملين، مشيراً إلى أنّ الخسائر غير المباشرة تفوق الخسائر المباشرة بأضعاف، في حين أنها تمثل هدراً ماليا كبيراً وتلفاً في الأرواح وخللاً بيئياً، وتظل الخسائر تتكرر بتكرر الخطأ لغياب ثقافة محاسبة المقصر وعدم الاستفادة من دور الجامعات والمراكز البحثية في نشر الأسس العلمية المبنية على تجارب عملية للتعامل مع الكوارث الطبيعية والتي من صنع الإنسان، مشيراً إلى وجود أكثر من مئة جامعة في العالم تمنح شهادة علمية في مجال إدارة الكوارث والأزمات في العالم وتفتقر الدول العربية الى مثل تلك البرامج لضعف ثقافة المجتمعات بأهمية الاستفادة من البحث العلمي لمنع أو تقليل الخسائر البشرية والمادية.