إن ما تمر به البشرية من أحداث خطيرة ومعقدة هو جزء من حالة التمرد في الدواخل الانسانية غيرالمنضبطة، وهذه الحالة نراها واقعاً ملموساً في أحداث مقلقة للنفس وتجعلها مضطربةً لا تكاد تهدأ حتى ينتزع ذلك الهدوء عواصف التمرد التي تنطلق مع عمق الدواخل الانسانية، هذه الدواخل الانسانية تتكون من رؤى وتصورات حملتها هذه النفس على مدى وجودها الزمني في هذا الوجود، وهذه التصورات والرؤى تتشكل بهذا الوجود الذي تحور حولها وادخلها في سياق زمنه. إن السياقات حتماً لها سيطرة حقيقية على العمق الانساني، وهي التي تقوده لتتشكل حالات هذا الانسان الذي يبدأ سهلاً بسيطاً وقد تجعله تلك السياقات بأن ينتهج التمرد مسلكاً إلى مسكن اللامعقول في تصرفاته وسكناته، فما تفعله (داعش) هو أمارة حقيقية على أن تلك النفوس مضطربة وقلقة ولا تنطوي على شيء من الرحمة ولو كانت ظاهرةً. الفكر الجهادي والتكفيري إذا ماتمرد بالسلاح فإنه لا يملك شيئاً في دواخله واعماقه الانسانية تجعله يُحجم عن تلك الافعال والتصرفات اللا معقولة عبر العصور الانسانية، وهذا مبدأ صحيح بالاستقراء تاريخياً وواقعياً، ويتوجب على كل من يتصدى لهذا الفكر أن يجعل هذا المبدأ دستور كيفية التعامل مع حالة التمرد الإنسانية التي تفتك بالفوضى لتتغلب عليها. حالة التمرد الانساني الحاملة للتصرفات اللامعقولة لا يمكن مواجهتها إلا بحسم حقيقي وإنهاء لوجودها الزمني والواقعي وذلك لأنها إن لم يتم حسمها من جذورها فسوف تقتلع كل المجتمعات المدنية. وحالة التمرد الانساني هي مناهضة ومناقضة لمفهوم الدولة الذي يتكون من مجتمع مدني حتماً في هذه العصور، وهذه المناهضة والمناقضة هي حالة من حالات التوقف الإنساني بسبب عبثية حالة التمرد التي بدأت ويبدو لمن كان يحملها أنها فترة تصحيحية للمسار الإنساني إلا أن فكر الارتباط من حقائق فهم الاشياء المؤصلة تاريخياً أسهم في تكوين تلك الأوهام التي أفرزت حالة التمرد الإنساني الوهمية فكراً إلا أنها قد جرحت الإنسان في طهارته فتكبد خسائر لا تزال تئن منها المجتمعات عالمياً في كل مكان، وهذا التمرد يبدو واضحا في ظاهر واقعنا المعاصر حيث إنه يرتبط بمن ينتمي للإسلام إلا أن العدو اللدود لحالة التمرد هو من يُقرر أن دين الاسلام بريء من هذا الفكر، أليست هذه مفارقة حقيقية وصادمة؟ الحفاظ على الدولة بكل كياناتها هو أوجب الواجبات بل هو ركن بقاء الإنسان في كل مجتمع ويتحتم رسوخ ذلك الركن في مجتمعنا خصوصاً، لأن حالة غليان التمرد في نفوسٍ يتم تغذيتها دينياً بشكل منحرف ومنفكك الارتباط، وأعني بمنفكك الارتباط من اصول وقواعد الشريعة الاسلامية والمبادئ الانسانية التي حققتها البشرية عبر عصورها التاريخية، لن يتم معالجة تلك الحالة من الغليان والتمرد إلا بخلق وترسيخ ركنية وجود كيان الدولة والمحافظة عليه يتوجب أن يتم من خلال استراتيجيات وطنية تتغلغل في جميع مناحي حياة الانسان في كل مجتمع حتى تمحو حالة التمرد الإنساني وما يحمله من فكر انفصالي سواء كان عن طريق معارضة طائفية أم سياسية تحمل في طياتها تمرداً وغلياناً في عمقه كراهيةً وحسداً، فإن الرأي والفكر الحقيقي لا يحمل تلك الأوصاف التي تُعيق الدولة وهياكلها.