تتأثر الأجيال وتسعى إلى قمم تبلغها بفعل أثر التربية القائم في المجتمع العام والخاص، وإن تحديد أولويات التعليم ليست مسألة تحددها وزارة ما أو جهة بعينها، بل هي أشمل من ذلك في نواحٍ عديدة، وتتلخص كافة شؤون التعليم على أيدٍ بشرية.. أيدٍ تعطي قبل أن تأخذ وخير ما أعطت هو علمها للأجيال. مهنة التعليم منذ العصور القديمة كانت تقتصر على أفراد يعينون من قبل سلطات عليا في البلاد، وهم العلماء الملتفون حول الملوك والسلاطين، ومع وجود أصحاب العلم سواهم من الحكماء في كل أرض إلا أن علماء البلاط الملكي يكونون على قدر أعلى من المسؤولية بصفتهم معينين من قبل السلطة العليا. لكن في عصور متتالية ومتقدمة وبالتوسع في العلوم والانتقالات التي يشهدها العالم تتطلب وتستلزم زيادة التوسع في تحديد الأفراد المؤهلين لتقديم هذه المهنة للأجيال، لإيمان الحكومات أنها أعظم مهمة وأنها ذات الاعتماد الأول والصلب في بناء الأمم وتقدمها. وعلى الرغم من توفر وسائل الاتصالات العديدة وتكاثر من يقدم هذه العلوم عبرها فإما أن يصيب أو أن يخطئ إلا أنها تبقى هذه المهنة ذات أصول متمركزة في الأفراد المؤهلين لها وهم المعلمون والمعلمات. إن المعلم ليس محض ناقل للعلوم، فكل فرد منذ بدايات حياته في سن الطفولة ترتسم فيه معنى لكلمة معلم على أنه القدوة والأسوة والتي قد يقتدي بها أكثر من والديه حتى في كثير من الحالات، لذلك أصبح حمل هذه المسؤولية يتطلب موافقة مجتمعية وحكومية لتحديد وتعيين من عليه حمل هذه الرسالة، وعلى هذا الأساس قامت كثير من الجامعات وشيدت للتعليم المباشر ولإخراج جيل يسهم في تعليم من بعده. ومع تعدد التخصصات (العلمية / الأدبية / البدنية/ التكنولوجية....) وغيرها من التخصصات، أصبح لابد من إدراك أهمية الالتحاق بمتطلبات العصر الحديث وحاجاته. إن المعلم اليوم ليس كمعلم الأمس، ففي مقابل ما يبذله من جهد جسدي وفكري، وشدة صبره على من يتعلمون منه، وحرصه على انتفاعهم، فإن كل ذلك يقابل بكثير من وسائل التيسير التي خففت عليه أحمالا كثيرة كتعدد وسائل التعليم والتيسير التكنولوجي، وسبل التواصل مع أولياء الأمور بكل سهولة عبر برامج التواصل الاجتماعي وغيرها مما يساعده في إتمام تقديم هذه المهنة. تحرص الوزارات في المملكة العربية السعودية ممتثلة للأوامر السامية على تشجيع المعلمين وتقديم كل ما من شأنه تيسير المهنة لهم، حرصاً عليهم وحرصاً على تقديم العلم التام للأجيال واحداً تلو الآخر. إن تخصص المعلم في تقديم مهنته دون الانشغال عنها بأمور أخرى لأغراض مادية هدف لابد من تحقيقه، لذلك قامت الحكومة بصرف رواتب كافية مجزية لمن هم على رأس مهنة التعليم في المملكة العربية السعودية، فقط ليتم عمله على أكمل وجه وهذا أولى واجباته. لا ينحصر فضل المعلمة والمعلم على ما يقدمه في المدارس أو الدورات المدفوعة، فعليه حق النفع لبلده ولمجتمعه بتصحيح ما يلاقيه من خطأ في الأمور الحياتية على غرار صحة ما تعلمه وألا يكتم علماً نافعاً. نحن نجد كثيراً من يطرح علمه عبر الوسائل التكنولوجية كل يوم، وعلى المعلم إن لم يشارك في طرح المفيد للعامة أن يقوم بتنقيح العلوم في مجال تخصصه كلما عرض عليه شيء خاطئ بقدر ما يستطيع من دون تكلفة أو انشغال مرهق له أو يضر بمهنته وحياته. لا يحصر للتعليم وأهله فضل أو واجب، فهو أوسع من أن يحصر في مجالات بعينها، لكن الإلمام بجميل الفعل وكرم المسؤولية لهو جدير وأحق أن يذكر.