*منذ بدأت الكتابة في الرياض مشكورة عام 2008، وأنا أكتب بشكل مستمر ملاحظات ومقترحات لتطوير الرعاية الصحية في المملكة، العصية على الشفاء من عللها المزمنة! وكانت أهم فكرة أكررها وألح عليها هي: أن أي وزير للصحة مهما امتلك من قدرات وحماس وإخلاص، لا يستطيع تطويرها بطريقة منهجية صحيحة وشاملة، قبل معالجة جوانب الخلل التنظيمي في القطاع الصحي في المملكة، ودون منحه المرونة، والصلاحيات، والدعم المالي الكافي، بحيث يتم استقطاب النخبة من الاطباء والاداريين، وتحفز المميزين منهم، ومن ثم تحاسب المقصرين، والا يبقى(ما تصرفه المستشفيات التابعة لجهات أخرى على السرير ثلاثة أو أربعة أضعاف ما يتوافر لدى وزارة الصحة للصرف على السرير) كما ذكر مسؤولون سابقون في الصحة، مع ضبط المصروفات وفقا لأسس حوكمة فعالة، ووقف التجاوزات في الوزارة تماما سواء في ترسية المشاريع أو منح التراخيص وغيرها. *هاهو الوزير الرابع يدخل الوزارة خلال سبع سنوات، وهو الوزير السادس عشر للصحة منذ تأسيسها، لتحتل المركز الأول في المملكة من حيث عدد الوزراء الذين مروا عليها، ومؤكد أنه ليس لديه عصا سحرية لحل إرث متراكم من الاخفاقات والضعف الإداري، وتراكم الدراسات و"الاستراتيجيات " التي أمر بإعدادها كل وزير مر على الوزارة، ولم يطبق معظمها! *لن أعيد الملاحظات والمقترحات التي سبق طرحها لتطوير الرعاية بصورة شاملة، ولكني سأركز على الاولويات المتاحة أمام الوزير الجديد في ظل الواقع الحالي، وأهمها من وجهة نظري مايلي: أولا: تشكيل فريق عمل مناسب للقيام بإخراج الدراسات والاستراتيجيات السابقة من الادراج، لتحليلها واختيار المناسب منها، والبدء في التنفيذ بجدية، وفقا لرؤية واضحة، محذرا من البدء بإعداد استراتيجية أو هيكلة جديدة للوزارة، أو للقطاع. ثانيا: سرعة حسم سؤال المليون، الذي اختلف حوله الوزراء السابقون للصحة، بتباين غريب، يؤكد غياب العمل المؤسسي في هذه الوزارة العريقة، والضحية القطاع الطبي ثم المواطن، والسؤال هو: هل ستؤمن الدولة على المواطنين ومتى، أم لا؟ وأرجو أن تكون الإجابة نعم بكل جرأة وشفافية، بحيث يتم البدء سريعا في التنفيذ المتدرج لهذا التوجه، وفي ذات الوقت تشجيع مؤسسات القطاع الخاص المحلي على التوسع في إنشاء المستشفيات، مع التركيز على منحهم الحوافز اللازمة لإنشاء المراكز المتخصصة، وبخاصة في المناطق الأقل نموا، وأهم من ذلك إعطاء اولوية قصوى لاستقطاب المراكز الطبية العالمية وحل المعوقات التي تواجهها، وفتح السوق للمنافسة العادلة الهادفة إلى تطوير الرعاية الطبية في البلد، بعيدا عن البيروقراطية وربما "التجاوزات" المصاحبة لمنح التراخيص الطبية. ثالثا: الاستعجال في الاستعانة بالقوي الأمين لإدارة مختلف أعمال الوزارة، والجهات التابعة لها، دون اشتراط أن يكون المدير طبيبا، بل الأفضل تفريغ الاداريين للإدارة والاطباء للطب، ولا مانع من الاستعانة بشخصيتين قياديتين أو ثلاث لديها سجل مشرف ونجاحات سابقة في دول متقدمة في الرعاية الطبية وإعطاء الوزارة استثناء خاصا لتعيين مسؤولين أجانب، ومرونة كافية لمنحهم رواتب مجزية لازمة لاستقطابهم فذلك أفضل من بقاء قيادات كانت سببا في فشل الوزارة سابقا، والتعاقد مع مكاتب استشارية بعشرات وربما مئات الملايين سنويا! رابعا: عدم تكرار ما قام به كل وزير جديد للصحة (كان نجما في البداية، وفشل عند تقييم النتائج في النهاية) وهو الزيارات الميدانية بنفسه للمستشفيات وبالذات المصحوبة بالتغطية الاعلامية المكثفة. والبديل المقترح هو وضع آلية فعالة تضمن قيام الإدارات المعنية بمتابعة المستشفيات الحكومية والخاصة بدورها بحماس واخلاص وفقا لعمل مؤسسي مستمر، ووضع برنامج للزيارات الميدانية اليومية يقوم بها وكلاء قيادات الوزارة ومديرو الشؤون الصحية ونوابهم في كل منطقة، بما يضمن زيارة كل شهر أو شهرين من مسؤول لكل مؤسسة طبية في المملكة، بدلا عن زيارة الوزير لأقل من 1 % من هذه المؤسسات يتجاوز أثرها الإعلامي بكثير أثرها على أرض الواقع. * خامسا: دعم مستوصفات الاحياء، ومراكز الرعاية الاولية، ومستشفيات المدن الصغيرة بالاستشاريين والمتخصصين عبر منح حوافز تجذبهم، وتوفير البيئة الاكاديمية المناسبة في مستشفيات وزارة الصحة، والتدريب المهني المتخصص لمنسوبي المستشفيات الحكومية في الدول المتقدمة، وزيادة أعداد المبتعثين من الاطباء والمساعدين الطبيين، مع التنسيق الفعال مع وزارة المالية لدعم هذه البرامج.