تزامن إعلان ميزانية عام 2015 مع الانخفاضات الكبيرة في أسعار النفط، مما نتج عنه عجز تقديري قيمتة 145 مليار ريال. لكن فوائض ايرادات النفط المتراكمة في الاعوام السابقه سوف تغطي ذلك العجز بدون أي قلق قبل ان تعود الاسعار الى ما فوق نقطه التسوية التي يكون عندها العجز صفرا. هكذا نتعلم من الميزانية الحاليه بان تقلب اسعار النفط قد تحدث في أي وقت وعلى الحكومة ان تكون على استعداد للوفاء بالتزاماتها اتجاه الاقتصاد والمجتمع من خلال السحب من احتياطيها النقدي او الاقتراض ايهما افضل بمقارن معدل العائد مع معدل الفائدة. لكن الاهم ان نعرف ان استثمار فوائض النفط يختلف تماما عن الاستثمار الخاص الذي هدفه تحقيق اعظم عوائد مقابل مخاطرة مرتفعة، بينما الاستثمار الحكومي يهمه تمويل الميزانية من اجل دعم الاقتصاد بجميع قطاعاته وتنويع القاعدة الاقتصادية وتحفيز رأس المال البشري. لذا علينا ان نحافظ على هذا الاحتياطي النقدي وتنميته بالاستثمار الآمن، حيث انه المصدر المالي الرئيسي الذي تستخدمه الحكومة في مواجه أي أزمة مالية، بالإضافة الى المصادر الاخرى التي مازالت محدودة من زكاة وجمارك ورسوم خدمات اخرى. وكما نعرف ان الحكومة تدعم الوقود وتقدم برامج متعددة لدعم الاقتصاد والمجتمع بدون مقابل. وهذا ما يجعل ادارة وآلية استثمار الايرادات السعودية مختلفا عن بلد يفرض ضرائب على مواطنيه ويعدلها ارتفاعا او نزولا حسب الظروف الاقتصادية. فقد اكد وزير المالية في مقابلته التلفزيونية الذي كشف لنا الكثير في يوم الميزانية، بأن الاحتياطيات النقدية التي تديرها مؤسسة النقد العربي السعودي تهدف اساسا الى جني عوائد جيدة وبدون مخاطرة بأموال الشعب مؤكداً أنها تدار بكل مهنية بواسطة شباب سعوديين ومديري محافظ دوليين معروفين وتحقق عائدا متوسط نسبته 7% تقريبا. اننا نفخر بهذه المهنية وبإدارة شبابنا السعودي ولولا ذلك لواجهنا أزمة مالية عاصفة ابان الازمة المالية العالمية التي عصفت بأكبر اقتصاديات في العالم وكذلك بعض الدول الخليجية التي تستثمر فوائضها بمعدلات مخاطرة اكبر. فنذكر البعض بان صندوق المعاشات التقاعدي الحكومي العالمي النرويجي (سابقا صندوق النفط) تكبد خسارة بقيمة 92 مليار دولار على استثماراته في عام 2008. وحاليا يواجه الصندوق النرويجي مع ارتفاع حجمه الى 857.1 مليار دولار في 30 سبتمبر 2014، جدلا سياسيا من النرويجيين الذين يبلغ عددهم 5.1 ملايين نسمة أي سدس سكان المملكة. فمنهم من يرى انه ينبغي على الحكومة استخدام جزءا اكبر من الإيرادات النفطية لدعم الميزانية العامة بدلاً من حفظ تلك الأموال للأجيال القادمة في اطار ارتباط الانفاق الحكومي بمعدل التضخم. كما ان البعض بدأ يسأل اذا مازالت اسواق الاسهم آمنة ماليا مع ارتفاع مستوى تعرضها الى تقلبات حادة بنسبة 60% في عام 2008، رغم ان بعضهم يرى ان التنويع العالي وطول فترة الاستثمارات لهذا الصندوق سيخفف من الخطر بل على الدولة ان تستثمر اكثر في سوق الأوراق المالية. كما ان آخرين يشككون في اخلاقية سياسة استثمار الصندوق بعد اكتشاف انه يستثمر في شركات معروفة بعدم اخلاقيتها. وأوضحت احصائيات مؤسسة النقد في الربع الثالث من 2014 ان لديها موجودات اجنبية بقيمة 2.76 تريليون ريال وتستثمر منها 2.07 تريليون ريال في اوراق مالية. وهذا يعني ان فوائض النفط تستثمر ولكنها تدار بطريقة مختلفة واقل مخاطرة مقارنة مع الصندوق النرويجي الذي تمتلكه دولة صغيرة ولديها نظام ضريبي يعادل %56.8 من اجمالي ناتجها المحلي البالغ 515.8 مليار دولار، حيث بلغت ايراداتها الضريبية اكثر من 169 مليار دولار في عام 2014 منها 87% يذهب للحكومة المركزية. علما ان نسبة الضريبة على دخل الفرد تبلغ 27% وما زال معدل البطالة بين الشباب عمر (15-24) نسبتها 8.6%.