في بداية ظهور التلفزيون في منطقتنا كانت كل دولة تنظر إليه على أنه الدكان الوحيد الموجود في القرية والذي لا يجد سكان القرية حاجتهم إلا فيه حيث لا نجد إلا قناة واحدة أما اليوم فهو أشبة بسوق عالمي فيه آلاف المتاجر وعليك أن تبحث عن ما تريده في البعض منها وهذا يعتمد على جودة المنتج وشهرة العلامة التجارية وقوة التسويق لها فكم من السلع الجيدة لا نعرفها لأنها لا تمتلك قدرة التسويق التي توصلها إلى المستهلك وهذا الوصف ينطبق كثيرا على القنوات التلفزيونية الآن وما تبثه من برامج فأنت تضع في مفضلتك عدداً من القنوات وتحصر مشاهدتك لها ويغيب عنك آلاف القنوات لا تعرف أسمائها فما بالك بما تبثه من مواد فكيف وصلت تلك القنوات إلى مفضلتك ولماذا لم يصل غيرها؟ لا تصل أي قناة إلى مفضلتك إلا إذا وجدت فيما تبثه الكثير مما يرضيك سواء كانت تلك القناة إخبارية أو رياضية أو منوعات أو دراما أو أفلام أو وثائقية أو ثقافية أو غيرها ولهذا تتسابق القنوات للمحافظة على مشاهديها لأنهم وقودها الذي تعمل به خاصة وأن الإعلان يتابع الكم الأكبر من المشاهدين ولهذا نجد أن القنوات التي تحظى بأكبر حصص من الإعلان تمنح موادها البرامجية حصصاً كبيرة من إعلاناتها فعندما يكون لديها برنامج قائم أو جديد فهي تسخر قنواتها للإعلان عن ذلك البرنامج أو المسلسل وتعلن عن مواعيد عرضه وتستعرض أهم ما فيه من فقرات ولهذا فلديها قدرة الإعلان والتسويق لبرامجها وإبراز أسماء رعاة البرامج للمحافظة على مشاهديها ولكسب ثقة المزيد من الرعاة بها لأنها تحقق إيراداتها وأرباحها من المعلنين ولهذا كلما كان حجم التسويق كبيرا بقيت تلك القنوات في مفضلتك وفي مفضلة شركات الإعلان. المعيب هنا هو أن بعض القنوات تنفق أموالًا طائلة على إنتاج بعض البرامج والمسلسلات وتعتقد أنها لا تزال دكان القرية الوحيد الذي لا نذهب إلا إليه ولهذا تجدها تعرض إنتاجها دون تسويق سواء خارج قنواتها أو داخل قنواتها فتمر إعمالها مرور الكرام وهي بغياب المشاهدين تهدر الملايين التي أنفقتها (فمقطع يوتيوب لا يكلف إنتاجه واحد في العشرة آلاف من إنتاج بعض المسلسلات قد يشاهده الملايين) بينما لا يشاهد بعض تلك الأعمال إلا عدد اقل من المأمول لأنها لم تسوق لمحتواها ولمواعيد عرضها قبل بثها بفترة طويلة حتى تجذب المشاهدين لها. بعض القنوات تنشط في التسويق لنفسها في رمضان فقط أما بقية العام فهي في سبات عميق حتى وان كان لديها إنتاج جديد بينما تنشط بعض القنوات في التسويق لما تعرضه حتى وان كان إنتاجا سبق عرضه في أكثر من قناة في رمضان أو غيره ولعلي هنا اخص بعض القنوات مثل أم بي سي وابوظبي ودبي بهذا الوصف فالعام عندهم كله رمضان ولو أخذنا أم بي سي كمثال لوجدنا أنها تستأثر بحصة الأسد واللبوه أيضا من الإعلان فهي تحافظ على حصصها بجودة التسويق ولهذا هي دوما في مفضلة المشاهد العربي وتتفوق على غيرها بمهارة التسويق ولهذا نستغرب من بعض القنوات التي تنفق الملايين كل عام في ظل غياب التسويق لنفسها وهنا نقول أنه كان من الأفضل لها أن تنتج وتبيع إنتاجها للقنوات التي تجيد التسويق للحصول على الجزء الأكبر من تكاليف الإنتاج التي تكفل لها مضاعفة إنتاجها خاصة وإنها تمتلك حق العرض الثاني أو الثالث لإنتاجها فالأمر سيان بدون وجود معلن يغطي النفقات وبدون اجتذاب اكبر عدد من المشاهدين . أن تكون قناة منتجة عليك أن تكون قناة جاذبة فان فقدت الجاذبية للمعلن والمشاهد فعلى الأقل لا تفقد قدرتك على تسويق إنتاجك بالشكل الذي يحقق لك الاستمرار بدل إهدار الملايين على إنتاج أعمال لا يدعمها معلن. فن التسويق يبدأ من التحضير للإنتاج وليس بعد الإنتاج أو بعد ما تطير الطيور بأرزاقها.