هذه الجملة سمعتها من الممثل الشهير ألن اولدا، وهو ممثل عانى معاناة شديدة قبل ان يصل الى الشهرة والثراء والمجد..!كان في حوار تلفزيوني في قناة هيئة الاذاعة البريطانية التلفزيونية العالمية (BBC world)، كان يتحدث عن طفولته المعذبة التي عاشها بكل قسوة، وللأسف كان مصدر هذه التعاسة هي والدته..!! فقد كانت والدته مصابة بمرض الفصام الزوراني (Paranoid Schizophrenia)، وهذا المرض، واحد من اصعب الامراض العقلية، خاصة في تلك الأيام، في الثلاثنيات والاربعينيات من القرن الماضي. كانت والدة ألن مصابة بهذا المرض العضال.. تشك في كل من حولها، بما في ذلك افراد عائلتها، لذلك جعلت حياتهم جحيماً لا يطاق، خصوصا ابناءها وزوجها، لكن الزوج نفذ بنفسه، وترك الابناء يعانون اكثر انواع العذاب النفسي لطفل في سنواته الأولى.. فقد كانت عنيفة.. تعاقب اطفالها على ابسط الامور عقاباً قاسياً لا يتناسب مع الجرم الذي اقترفوه..! كانت على علاقة سيئة بجميع من يحيط بها من الأهل والجيران، ودائماً تتهم الآخرين بأنهم يحيكون مؤامرات ضدها، وبالتالي خلقت عداوات مع جميع من يحيطون بها، وانعكس ذلك على اطفالها الصغار الذين عانوا كره الآخرين لهم. في ذلك الوقت لم يكن احد يجرؤ على مصارحتها بأنها مريضة عقلياً وانها تحتاج الى علاج نفسي في مصحة نفسية. ظل الابن يتخبط في هذه الدوامة من العنف داخل المنزل، والكره والرفض من قبل الجيران والأهل المحيطين به. نشأ على هذه المشاعر فتكونت لديه مشاعر سلبية تجاه والدته التي اهملته اهمالاً تاماً من ناحية الرعاية والعطف والحنان.. فأصبح يكرهها وذكر ذلك في مذكراته الشخصية التي كتبها، خاصة مرحلة طفولته البائسة. اضطر ان يترك المنزل هارباً، ليعمل في اي شيء حتى ينجو من الجحيم الذي سببته له والدته، والتي لا يكاد يمر ذكرها حتى ينهال عليها باللوم في تدمير حياته، وجعل طفولته جحيماً لا يطاق، وحرمته من ان يتمتع بحنان الأم الذي لا يمكن لأي شيء في هذا العالم ان يعوض حنان الأم بالنسبة لطفل صغير..! نشأت معه هذه المشاعر السلبية تجاه والدته التي لم يعد لها بعد ان ترك المنزل، وتقلب في اعمال بسيطة، حتى عمل مهرجاً في احد فرق السيرك التي تجوب البلدان. في هذه المرحلة كان بحاجة الى من يعطيه الحنان، فوقع في حب فتاة سرعان ما تزوجها، نظراً لأنه كان بحاجة الى عطف وحنان يعوضانه عن ما فقده في طفولته. كانت مشكلته انه لم يستطع توفير حياة كريمة لزوجته، ولكنها ساعدته في وقت محنته، وصعوبة الحياة حتى استطاع ان يجتاز هذه الفترة العصيبة، و أن يجد لنفسه عملاً في هوليود يدر عليه دخلاً لا بأس به. في عام 1971 جاءت فرصة عمره، ضربة الحظ التي غيرت حياته، اذا حصل على دور هم في فيلم ناجح، لفت له انظار المخرجين والمنتجين السينمائيين، ليس كممثل فقط، بل ايضاً ككاتب لأفلام وأعمال درامية اخرى، بل انه اصبح مشهوراً، صار نجماً يشار اليه بالبنان..! ثم توالت نجاحاته حتى اصبح واحداً من مشاهير هوليود واثريائهم، واستمر زواجه من زوجته الاولى، التي احبها واخلص لها وواصل ارتباطه وحبه لها، حتى بعد ان اصبح مشهوراً وثرياً، واستمر زواجه من هذه الزوجة التي وصفها بأنها منحة وهبة عظيمة وهبها له الله سبحانه وتعالى، لتأخذ بيده على مدى 48 عاماً هو عمر زواجهما. يقول انها عوضته الحنان الذي افتقدته من والدته عندما كان طفلاً، وغمرت سنين عمره التي عاشها معها كزوجة بحنان كان بحاجة ماسة له، بعد الحياة القاسية التي عاشها في طفولته..! القضية هنا هي كيف يؤثر المرض النفسي والعقلي على الاطفال وحتى على الكبار.. ان هذا الممثل الشهير قال بكل وضوح بأنه يكره والدته، حتى انه عند وفاتها لم يتأثر امام الكفن الذي يحوي جثمان والدته..! رغم معرفته بأن السبب وراء تصرفات والدته كان هو اصابتها بمرض عقلي خطير ومؤذ، وهو الفصام الزوراني الذي يجعل الشخص يتصرف بغرابة، ويؤذي اقرب الناس له، حتى ابنائه. هذه القصة ليست فريدة، ولا هي القصة الوحيدة التي كره فيها الطفل امه او اباه.. لقد شاهدت بعضاً من المراجعين في العيادات يتحدثون بكل كره وحقد وجفاء تجاه والده او والدته بسبب المعاملة السيئة التي يعامل بها الطفل من قبل والده او والدته المريضة. هنا يأتي دور المجتمع، والمؤسسات المختصة بحماية الطفل بالذات، فالطفل، لا يعرف ان كان سبب هذه القسوة التي يعامل بها هي نتاج مرض عقلي او نفسي او اضطراب في الشخصية للوالد القاسي والمؤذي.. ان الطفل يعرف انه يتعرض لأذى، ويتمنى ان يكون هناك من يوقف هذا الاذى، سواءً كان ناتجاً عن مرض نفسي او عقلي او اضطراب في الشخصية، المهم ان يكون هناك من ينقذه من سوء المعاملة، والقسوة التي تحطم حياته وتجعل منه احياناً انساناً غير سوي. الآن في معظم دول العالم هناك خط ساخن للاطفال الذي يتعرضون للإيذاء من قبل ذويهم، سواء كانوا الوالدين ام اقارب آخرين. ومما يثلج الصدر بأن وزارة الشؤون الاجتماعية، اوجدت الآن ادارة لحماية المرأة والطفل، وأرجو ان يكون عمل هذه الإدارة عملاً فعلياً، فنحن في مجتمع لا يقر بمثل هذه الادارات وتدخلها في الخلافات العائلية، خاصة وأن مثل هذه المواضيع شائك، وتتداخل الدوائر والجهات المسؤولة عند التنفيذ، فهناك اهم جهة وهي القضاء والذي يستطيع ان يساعد بشكل قوي جداً في مثل هذه الامور، كما انه قد يكون عائقاً احياناً اذا كان القاضي غير مطلع وغير مقدر لعواقب اساءة معاملة الاطفال من قبل الأهل.. ولقد سمعت بقصص محزنة عندما حضرت وشاركت في مؤتمر الخدمات الطبية الثاني الذي اقامته الادارة العامة للخدمات الطبية للقوات المسلحة بالرياض. حيث ان كثيرا من الاطفال، خاصة الفتيات اللاتي يتعرضن لمعاملات سيئة من قبل والدها، يعيدها القاضي مرة اخرى له.. ولا اريد ان اكرر ما ذكرته في كتابتي عن محاضرات ذلك المؤتمر.. الاطفال ليسوا ملكاً للأهل، والدولة مسؤولة عنهم اذا كان الاهل يؤذونهم.. ارجو من كل قلبي ان تتكلل جهود ادارة حماية المرأة والطفل بالنجاح، خاصة وأن الذي يدير هذه الادارة شخص كفؤ هو الاستاذ محمد الحربي، ولم التق به الا عبر الهاتف وكان مثالاً جيداً للتعاون والتفاهم.