يحتدم النقاش في الجزائر هذه الأيام عقب مطالبة زعيم حزب سلفي للسلطات بتطبيق حد الردّة على كاتب جزائري بتهمة "المساس بالذات الإلهية" في رواية حقق بها جوائز أدبية خلال العام الجاري، من بينها جوائز فرنسية. ولم تشارك وزراتا العدل والثقافة في القضية رغم قرار الكاتب رفع دعوى قضائية ضد الزعيم السلفي وتجاهل وكيل الجمهورية (ممثل النائب العام) فتوى إهدار الدم. واندلع النقاش عندما نشر مدوّنون على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك مقطعاً مرئياً لبرنامج فرنسي يظهر كمال داود صاحب رواية "ميرسو .. تحقيق مضاد" وهو يدافع عن قناعاته الشخصية والفكرية بلغةٍ فهم منها خصومه أن فيها ازدراء كبيرا للغة العربية وللمسلمين وللإسلام نفسه، ما فتح عليه أبواب الانتقاد على مصراعيه بالأخص من قبل من يُسمَّون في الجزائر ب"المعربين" مقابل تأييد ودعم مطلق من قبل "الفرنكفونيين" الذين اعتبروا الحملة التي يتعرض لها الروائي "محاكمة للإبداع". ورفض زعيم حزب "الصحوة السلفية" الشيخ عبدالفتاح حمداش التراجع عن مطلب تنفيذ حكم الإعدام على كمال داود، وقال ل"الرياض" السبت: "أعيد بصريح العبارة مطالبة النظام الجزائري الحكم عليه بالإعدام وليس معنى هذا أنه أنا أو الشعب الجزائري من يتولى هذا الأمر بل هناك مؤسسات وقضاء وعدالة تتولى ذلك، فهذا الشخص أهان الذات الإلهية وأهان القرآن وسبّ ملة الجزائريين وشتمهم ومع ذلك فهو الآن يحظى بدعم عدة جهات لا تفقه خطورة ما تفوّه به وكتبه. أطالب النظام بإقامة حد الردة عليه وبسحب الجنسية الجزائرية منه ومنعه من دخول الجزائر". من جانبه قال كمال داود في تصريحات صحافية أنه "ماض في الكتابة عما يقتنع به، وأن لا أحد بإمكانه منعه من التعبير عما يريد"، كما رفض مغادرة الجزائر، وعبّر عن أسفه من تجاهل وزيرة الثقافة التي "لم ترفع الهاتف لتسأل عنه أو تدعمه أو حتى توبخه". ومقابل هذا الضجيج الإعلامي الكبير حول الثنائي (داود وحمداش) اطلقت السبت مجموعة من الاعلاميين "حملة ضد المستهزئين بالشريعة" على اعتبار أن صاحب الرواية إعلامي يكتب بإحدى الصحف الجهوية (لوكوتيديان دوران) الصادرة باللغة الفرنسية بعاصمة الغرب الجزائريوهران، وظل يضمّن مقالاته نفس القناعات التي كتبها في أول رواية له، وقال المبادرون إلى الحملة في بيان وصل "الرياض" السبت أنهم "يرفضون كل محاولة للمساس بالقيم والثوابت والقطعيات التي تصنع مكونات الهوية الجزائرية" أو "الزجّ بالصحافة في صراع قديم متجدد مفتعل بين العبد وربه فضلا عن المسلّمات اليقينية التي اختارها كل مسّلم يوم نطقه بشهادة التوحيد" ويتساءلون "عن دور القضاء والأجهزة الأمنية في تحمّل مسؤولياتها" إزاء ما اعتبروه اعتداءات متكررة ضد الثوابت الإسلامية مثلما ينصّ عليه قانون العقوبات الجزائري. ويشّكل النقاش الذي تشهده الساحة الإعلامية في الجزائر هذه الايام حلقة جديدة من حلقات الصراع الدائم بين المعربين والفرنكفونيين الذين عادةً ما تدخلهم رواية أو فيلم سينمائي أو مسرحية في صراع على خلفية تباين القناعات بينهما، لعل آخرها الفيلم السينمائي "الوهراني" الذي أخرجه منتج جزائري شاب من المغتربين في فرنسا (إلياس سليم) عرض بالقاعات الجزائرية لكنه أثار موجة من الاستنكار لأن صاحبه أعطى صورة أخرى عن قدماء محاربي الثورة الجزائرية تختلف عن تلك المحاطة بكثير من الاحترام في الجزائر، إذ في الوقت الذي استهجن الإعلام المعرّب هذا الفليم، دافع عنه بشراسة الإعلام الفرنكفوني.