أذكر مشهدا لم يغادر ذاكرتي، يحضر بقوّة كلما شاهدت طفلا/طفلة بين أحضان عاملة منزلية (شغالة) بالمسمّى المحليّ. كُنت أودع مسافرا في مطار الرياض في الصالة الدولية .عائلة سعودية بكامل أفرادها كانت هي الأخرى تودّع شغّالتهم . الشغالة بدورها حتى وهي مسافرة إلى بلادها كانت تحمل في خاصرتها طفلة مُتعلّقة برقبتها. كل هذا والطفلة فيما يبدو لا تعرف ما الحكاية. حتى بدأ الطلاق بين جسد الشغالة والطفلة . بدا أن الأسرة قد رسمت بشكل واضح سيناريو الفراق وأفهموا الشغالة بالتفاصيل. حينما تصل إلى النقطة التي لا يمكن تجاوزها تأتي الأم لتنتزع الطفلة من خاصرة الشغالة وهي تعدِها بالمن والسلوى إلا أن فجيعة الطفلة كانت أكبر مما تصوّروا. تشبّثت بكل قواها بتلك الأجنبية التي خطفت قلبها الصغير. أتى مما ليس منه بد. انتزاع بالقوة رغم الصراخ والبكاء المرير. الشغالة المسكينة هي الأخرى شعرت بمشاعر الأم ولكنها في النهاية ليست أمها ولابد من المغادرة إلى هناك حيث الأهل والأطفال الحقيقيون والحياة الأصلية. الذي فطر قلبي على الطفلة حين أخذها أحد إخوتها وركض بها خارج صالة المطار وهي ترغي مثل الناقة وقت فراق حوارها(وليدها). كل هذا الاسترجاع الموجِع مردّه سماعي نداء طفلة الجيران لإحداهن اسمها (روزا). تناديها ليل نهار. الغريب أنني لم أسمعها ولو لمرّة واحدة تنادي(ماما) يجوز أن لديهم ظرفاً ما أو حالة خاصة لكن الأمر المعروف جداً هنا في مجتمعنا هو إيكال مهمة العناية بالأطفال وحتى الرضّع للشغالة الأجنبية. في المنزل تكون مسؤولة عن إطعامهم وتنظيفهم وتبديل ملابسهم وفي الحديقة ترافقهم وتحرسهم وحتى حينما يذهب أفراد الأسرة إلى المطعم لمناسبة ما تجد الشغالة منزوية في أحد الأركان وبين يديها الطفل الصغير أو تروّح عنه في عربته جيئة وذهابا. أبعد هذا نستغرب تعلّق الأطفال بالشغالة لا بالأم؟ أيها القوم : لست لكم من الناصحين ولكنني أُحاول تذكيركم بخطورة الأمر على نفسيات صغاركم وكيف تُشرخ وجداناتهم مبكرا بسبب تعلقهم الشديد بمن سترحل عنهم إن عاجلاً أو آجلا. لم أنسَ بشاعة (الاتجاه المعاكس) المتمثل في عنف الشغالات مع الأطفال ولكنني سأتوقف هنا وأضع نقطة في آخر السطر. لمراسلة الكاتب: [email protected]