بين ثلاث دول إسلامية طرحت نماذج ناجحة في الديمقراطية لتحقق من خلالها الوحدة الوطنية والتنمية، نجد أن ماليزيا وتركيا كانتا السباقتين في تحقيق تطورات فاقت غيرهما من الدول الإسلامية دون أن تفقدا جوهر عقيدتهما وسلامة نهجهما، وقد حاولت دول عربية الاستفادة من تلك التجارب وفقاً لظروف كل بلد إلا أن علمانية تلك الدول وسنها قوانين تراعي الفروقات الاجتماعية وتحفظ للجميع التساوي في الحقوق كانت العوائق التي أخرت استنساخ بعض اتجاهاتها.. أندونيسيا نموذج آخر فرغم أنها أرخبيل يضم سبع عشرة ألف جزيرة، وسكاناً هم الأعلى في النسبة بكل العالم الإسلامي والذين وصلوا إلى مئتين وثلاثين مليون نسمة، فإنها خاضت تجارب ما بعد الاستقلال ليحكمها (سوكارنو) العلماني الاشتراكي، ثم ليطيح به أحد «جنرالاته سوهارتو» الذي خلق دكتاتورية فاسدة أدت إلى تدهور الاقتصاد وقيام الطلبة بثورتهم وعلى أنقاضه بدأ تيار الإسلام الليبرالي المواجه للتيار المتشدد بنشر تعاليم الوسطية والذهاب بعيداً إلى الديمقراطية كأساس لنظام متعدد الأعراق والأديان واللغات في انتخابات عدة أكثر تطوراً ونجاحاً، ليبدأ من خلالها فكر التنمية والقضاء على مخلفات الحكومات الماضية من فساد تأسس وتجذر بصورة كادت تمزق جزر ذلك الأرخبيل.. نظرتنا، وحسب ثقافتنا القاصرة عن أندونيسيا، أنها مصدر عمالة متخلفة لعاملات بالمنازل وسائقين فقط، وهي صورة لا يلام عليها المواطن العادي الذي يجهل بحكم تواصله مع العالم نماذج ناجحة وقادمة بقوة إلى فرز نفسها والوصول بمداخيلها وتطورها إلى قوى كبيرة اقتصادياً وسياسياً.. وكما تشير التقارير من صناديق ومؤسسات عالمية إلى أن أندونيسيا تصعد بسرعة كبيرة، وأنه رغم وجود الفقر والأمية، فإنها استفادت من محيطها الآسيوي وخاصة اليابان والصين وماليزيا وكوريا وغيرها، بأن حققت نمواً وصل في بعض الأحيان إلى 11٪، وأن عمالتها المتطورة أصبحت تصدر لمعظم تلك الدول، تماماً كما حدث لتركيا مع ألمانيا، حيث بعد عودة العاملين الأتراك إلى بلادهم أضافوا قيمة هائلة في مجالات الصناعة والزراعة ونقل ثقافة بلد متطور في الالتزام بقيم العمل والإنتاج، والمثابرة على جعل التطور هدفاً قومياً، ومع أن أندونيسيا حافظت على هويتها القومية ودينها الإسلامي، إلاّ أن قفزاتها الاقتصادية ونظامها الديمقراطي وفتح المجالات للمنافسة بين مختلف القوى وضعتها على لائحة الدول التي استقطبت رساميل دول متعددة في مجالات الاستثمار المفتوحة لتدخل ضمن الدول الاقتصادية الناشئة في نادي العشرين.. هنا يأتي السؤال، فالعرب بدأ احتكاكهم بالنهضة الأوروبية مبكراً ومع ذلك لم يتأثروا بخلق كوادر تربوية وثقافية وعلمية تستفيد من تجربتهم أسوة بالهند مثلاً بما في ذلك نظم سياسية متطورة فهل المحيط الجغرافي سبب الأزمة، أم أن المشكل في طبيعة التقاليد العربية التي عجزت عن استيعاب مناهج التطور، وأن محيط أندونيسيا الآسيوي والمتطور هو الحافز الذي جعلها تخرج من منزلقات العرب وكذلك الدولة الإسلامية الكبرى باكستان إلى تحقيق ما نسميه معجزتها الجديدة؟ بنفس الوقت هل لدينا مراكز البحث التي تُطلعنا على تجربة هذا البلد، وكيف نستفيد من نهضته الصناعية والزراعية والتربوية والصحية حتى نضيف لأنفسنا مكتسباً جديداً من دولة إسلامية هي الأكبر في النجاح والتطور؟ لمراسلة الكاتب: [email protected]