بالحي العشوائي على طرف المدينة الذي كان هو المدينة في الأصل. غير أن العمران امتد عن يمينه بعيدا عنه قليلا وصار المدينة. داخل البناية الأكثر ارتفاعا فيه منذ ما يقارب الستين عاما، وبعد أن نام الصغار بحلول الحادية عشرة ليلا كتبت الأم على ظهر ورقة التقويم التي نزعتها: "تذكري غدا عيد ميلاد مازن، لا تنسي أن تطلبي كعكة من المدينة". وثبتتها على الثلاجة بمغناطيس على شكل فاكهة الموز. الشقة في الدور الثاني هي في الأصل شقتان، أوسع شقق البناية وبها العائلة الأكبر، فتح الأب هاتفه النقال كتب تذكير بالأحداث: "غدا آخر قسط للبنك وقريبا سننتقل من هذا الحي" التنبيه بتاريخ ذلك اليوم الساعة التاسعة والنصف صباحا. بإحدى غرف الشقة المجاورة قطعت فجأة الفتاة ذات السابعة عشر عاما انغماسها في القراءة لترسل رسالة نصية إلى صديقتها: "إيمان، لا تنسي أن تحضري رواية دان براون معك غدا، ورواية الشفق أيضا". ثمة شخص في الشقة الوحيدة المستأجرة في الدور السادس لم ينم، إحدى أكثر الشقق هدوءاً، اتصل بزوجته التي لم ترد في المرة الأولى ولا المرات التسع المتتالية غير أن المرة العاشرة كانت تحمل البشرى، حيث ردت وأخبرته أنها أنجبت ابنهما وأنها والمولود بخير. بعد أن باركا لنفسيهما عطية الله لهما أخبرها أنه سيحاول أن يكون بجوارهما غدا في الثامنة، ضبط المنبه على الرابعه فجرا بعد أن حزم حقيبة السفر. في الدور الأول في الشقة مقابل البوابة طفلة لم تستطع النوم، قلقه لأن غدا أول يوم لها في مدرسة هذا الحي منذ انتقل أهلها إليه قبل ثلاثة أيام. بينما الحارس في غرفته كان قد طوى الرسالة ووضعها تحت الوسادة وقال يكلم نفسه: "غدا مع طلوع الضوء سأقوم بتحويل المبلغ كاملا ولو كلفني الأمر أن أطلب راتب الخمسة أشهر القادمة، صحة ابني لا تنتظر". الأم التي لم تستطع النوم نظرت إلى ساعتها كانت الساعة الثانية عشرة وسبعة وعشرون دقيقة تفقدت أطفالها وعادت إلى سريرها أرسلت رسالة إلى أبيهم: "اشتقنا إليك متى يأتي غدا، إن غدا بعيد" ويبدو أنها كانت مترددة في إرسالها منذ العاشرة لذا لم تنم. النور ما زال في الغرفة المطلة على الشارع مضاء، الشاب داخلها منذ العاشرة وهو يتكلم في الهاتف مع إحداهن وقبل أن ينهي المحادثة الطويلة وعدا بعضيهما بأن يلتقيا غدا بجوار المكتبة. الساعة الواحدة والنصف يبدو أن الكل قد نام إلا أنه ثمة صوت ينبعث من الشقة في الدور الثالث انقطع بعد عشر دقائق، صوت الجدة التي ما زالت منذ التاسعة تصرخ بأحفادها: "انهضوا لنخرج من هنا قبل أن يحضر الموت". وفي الشقة المستأجرة حديثا ثمة علبة طلاء مفتوحة سقطت على الأرض حين رن منبه الساعة الثانية والنصف صباحا استقيظ المعلم متأخرا بعشر دقائق ورغم أنه شعر بالدوار إلا أنه ارتدى ثيابه وخرج يقود سيارته نحو مدرسته في القرية البعيدة. على بعد عشرات الكيلومترات التلفاز في إحدى شقق المدينة الفاخرة يعرض موجز أخبار الصباح، يتصدرها خبر الزلزال الذي ضرب المدينة في تمام الساعة الثالثة صباحا، ولم يسفر الزلزال عن خسائر وضحايا سوى في مباني العشوائيات. وعمليات الانقاذ حتى اللحظة لم تصرح بوجود أحياء تحت الأنقاض!.