إطلاق طاقات المبدع الحبيسة.. عنوان عريض تكاد تبحث عن معادله على ساحة الإبداع العربي، فلا تجده ماثلاً بكل دلالاته إلا في حالات استثنائية أو ربما نادرة.. فطاقات المبدع لا تقتصر على مجال أو قناة إبداعية محددة.. لكنها رحبة وواسعة كالفن. وعلى عكس الفهم العربي السائد للإبداع في الفن والذي تحدد - تقليدياً - بوضع المبدع ضمن سياق تخصصي.. يدفع باتجاه الالتزام به.. في مفهوم خاص وعام له أولوية مطلقة.. كأن تكون حدود الشاعر هي القصيدة.. والرسام اللوحة.. والقاص القصة.. والروائي الرواية.. والموسيقى اللحن.. وهكذا. خارج سياق هذا الفهم التقليدي للمبدع العربي.. لا يوجد في الاطار الشمولي للفن والفنان مثل هذا التخصيص.. ففي كل أنحاء العالم لا توجد حُجر أو غرف أو حتى زنازين ومتاريس يتحرك المبدع الفنان ضمن حدودها.. صحيح أن المواهب الشمولية نادرة بالمعنى الجمالي الابداعي الذي يكون فيه المبدع متفوقاً في كل المجالات التي تقترحها عليه اللحظة الابداعية.. لكن موهبته تقترحه كفنان كبير ومتميز في كذا مجال.. بما يجعل نتاجه حياً على تباينه واختلاف أدواته وبشكل عام نجد المبدع في ملعب الفن الواسع قادراً على التنقل والأداء بشحذ مواهبه وتحدي قدراته واستثمار مختلف مراحل نضجه وخبراته.. لذلك نجد شعراء كبارا هم روائيون كبار ومسرحيون كبار ونقاد كبار.. وعلى سبيل المثال فإن شعراء من مختلف أنحاء العالم.. لم تكن قاماتهم الشعرية الكبيرة هي التي جعلتهم يحصلون على جوائز عالمية كبيرة مثل نوبل وغيرها.. لكنها وصلت إليهم باعتبارهم روائيين كبارا.. قدموا للابداع الإنساني خلاصات تجارب إبداعية وإنسانية مميزة عبر عدة أعمال روائية وقصصية ومسرحية كبيرة أكدت على أهمية مواهبهم الشعرية وأصالتها.. وقدرتها على تكثيف ذلك الخير الخاص من المشاعر الإنسانية العميقة التي تتسع كالكون ولا يمكن الامساك بها والتعبير عنها. إلا في فضاء سحري عجيب هو القصيدة.. بين الأحياء منهم والأموات.. تأتي ظروف وحيثيات الترجمة وأهدافها ومشاكلها لتقدمهم للقارئ العربي «حسب التساهيل».. فنظل لسنوات كثيرة نسمع عن شعراء كبار.. ولا دليل لدينا يؤكد مواهبهم الإبداعية الكبيرة سوى أعمال روائية وقصصية ومسرحية متناثرة.. قد يتجاوز الأمر حدود الإبداع الفني ويصل لمجالات فلسفية وفكرية أخرى كالنقد مثلاً.. فنجد شعراء كبارا تجاوز تأثيرهم حدود القصيدة.. وكان لأطروحاتهم النظرية حول الفن والابداع أثر حاسم في تطور كثير من أدوات الفن والإبداع.. لكننا إلى اليوم ما زلنا نضع المبدع داخل حجرة مغلقة.. فالشاعر لا ينظر إلى العمل الروائي الذي يقدمه بنفس الاهتمام الذي يولي لقصيدته، والناقد ليس عليه أن يكون شاعراً بصرف النظر عن أهمية موهبته الشعرية وليس من المطلوب أن يكتب أعمالاً روائية.. فهذا «خارج مجال تخصصه» وهكذا.. حتى عندما ننظر إلى جهوده الإبداعية بأفق أكثر رحابة.. لن ننسى أن نشير - ربما دون أن نقول - إلى أن ما قدمه هو جهد جانبي.. أما إذا كان الحديث في المجالس أو المقاهي... فلابد أن تجد من يتصدى للأمر قائلاً - هو ما له ومال الشعر والرواية .. يا أخي هو ناقد مميز بس مشتت جهده. وهكذا دواليك.. كأننا نريد أن نسجنه في أذهان الناس رغم أنه فنان حر وطليق.