حتى اليوم الحادي والعشرين من هذا الشهر، موعد تقديم ديتليف ميليس رئيس لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري تقريره في هذه القضية إلى الأمين العام للامم المتحدة، يجد الصحافي نفسه في حالة تأزم، وأرق، واستنفار دائم، تماماً كما هي الحالة في الشارع اللبناني، وعند السياسيين والمشتغلين بالشأن العام. فالتسريبات، والاتهامات، ومتاجرة السماسرة بالعروبة، وقضاياها. والتخوين، أصبحت خبز الإنسان اليومي، وتحول الصحافي إلى حالة ضياع، وتشتت، خبر يأخذه إلى مكان، وآخر نقيض يعيده إلى مكان، وأخطر ما في المتابعة أن يكون الصحافي الملتزم الذي يحترم مطبوعته، وقارئه، ونفسه، ويحرص أن تكون وسيلته الإعلامية محصنة من الوقوع في أفخاخ تسريبات المخابرات، وفبركاتها الصحفية، وتقديم معلومات تخدم فئة أو نظاماً. هي الشغل الشاغل للصحافي، وتكون همه الأول بحيث لم يعد الحصول على الخبر غاية، بل صدقية الخبر، وأين يتجه بلغته المخابراتية، سيما وأن مفردة «المصادر» التي أصبحت ملازمة للتسريبات تطغى على كثير من الأخبار، وعليك دائماً أن تتوقف عندما تقرأ.. قالت مصادر مطلعة..!؟. في هذا الجو المأزوم جداً كما حقل ألغام، وفي وقت من الإجهاد والتعب وتشتت الذهن، وتفتت الروح يجد الإنسان نفسه في حاجة لأن يذهب بعيداً، بعيداً إلى حيث غذاء الروح، والعقل، والنفس إلى الشعر.. لقد وجدت نفسي ألجأ بحزن إلى راشد الخلاوي، هذا الحكيم المجرب الهادئ الرافض لكل أشكال التلوث في المجتمع، والزيف عند الناس. وإذا كان هذا الخلاوي «أنا خلاوي خلا ماني خلاوي قبيله» قد سحرني إلى حد العشق والوله، كان علي ان أشرك القارئ معي في متعتي، وأورد هذه الابيات علّ فيها ما يعيد الكثير إلى إرث من الاخلاق والسلوكيات والتماهي مع قيم هذه الصحراء المعطاء. «... ... ويا طول ما وسدت راسي قتاده من خوفتي يعتاد لين الوسايد ومن عود القوم المناعير مطمع دلو بالانضا والجياد العوايد ومن عوّد الصبيان أكل ببيته عادوه في عسر الليالي الشدايد ومن عود الصبيان ضرب بالقنا نخوه يوم الكون، يابا العوايد الايام ما بقى منها كثر ما مضى والاعمار ما اللي فات منها بعايد نعد الليالي، والليالي تعدنا العمر يفنى، والليالي بزايد إلى دقت الوسطى البهام تذكرت زمان مضى، ما هو لمثلي بعايد. رحم الله الخلاوي، وعاش الشعر الجميل..؟؟