الروائي السعودي محبط ومستسلم فهو مهوى أفئدة المرجفين وهو رهين للعقبات، ويشعر أن ثمة معوقات تقف في طريق نجاحه كروائي يريد أن يحتل مكانة في المشهد العربي؟ ترى ما الذي يدفع الروائي هنا لليأس ومن تراه في نظرك مسؤولاً عن هذا التهابط في فهم العمل الروائي؟ لا يمكن أن يظهر الإبداع من خلال العقبات الصغيرة والكبيرة، ومهما يكن من احتفال بأي نوع من الإبداع الفني فلا شك أن وراء ذلك الاحتفال عدداً من العقبات، أولها نظرة المتلقي الخاصة للعمل، وهذه نظرة قد يحتفظ بها لنفسه، حيناً وقد يعممها على الآخرين أحياناً أخرى، وفي النهاية تبقى هذه النظرة حلقة من حلقات الذوق الخاص. والرواية المحلية والعربية بصفة عامة، مرت بعدد من العقبات منذ ظهورها في الربع الأول من القرن العشرين، فقد ظهرت في ظروف شديدة الغموض والغرابة باعتبارها فناً جديداً داهم ديوان العرب في عقر داره بشكل أجنبي يقف جنباً إلى جنب مع النهضة العالمية الحديثة (علماً وأدباً) وصارت الرواية لغة الأدب وعنوان المدنية التي أخذت في التوسع العالمي. لكن الذوق العربي لم يستسع هذا النمط الحديث الرافد من بلاد الغرب باعتباره أدباً دخيلاً على البيئة العربية المحافظة على العمود الشعري القديم القائم على الحفظ والاستظهار، والقصة في أساسها نوع من التسلية والهذيان، لا تليق بأرباب الأدب والعلم، إنما تليق بالأطفال والنساء ومن لا شغل له، لكن الرواية أخذت تفرض وجودها على الساحة الأدبية معاكسة ذلك التيار القوي حتى أثبتت وجودها كفن له أصوله وقواعده الثابتة، ومن ثم تم لها الاعتراف ابناً شرعياً بعد أن كان دخيلاً على الأسرة الأدبية، والسبب في ذلك وجود عوامل جعلت لهذا اللون من الأدب مكانة سامية بين الآداب العالمية، أولها: أن الرواية لغة المدينة، في الوقت الذي يتقلص فيه الريف وتنمو المدينة بكل معطياتها - العلمية والصناعية - وثانيها: شمولية الرواية، وهذه الشمولية لا تتوفر إلا في الرواية التي تجمع بين دفتيها مجموعة من العلوم والمعارف، قد لا تتوافر في أي فن من الفنون الأخرى. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الضعف الجغرافي لتوزيع الرواية العربية، فإن هناك ما هو أسوأ من التوزيع الجغرافي، وذلك هو التخلف في مفهوم الرواية إلى اليوم، فالبعض ما يزال يعزف على وتر قديم جداً، اسمه وتر القصة، وكلما وجد سرداً طويلاً سماه (رواية) وذلك يعود إلى الشمولية التي تحدثنا عنها قبل قليل من ناحية، والطول والقصر من ناحية أخرى. كما لا تنسى التيار الطفولي الذي ظهر على شكل ذكريات وخواطر يحمل على أغلفته كلمة (رواية) أفقد المتلقي الثقة بالرواية. وبجانب ذلك ظهر النقد المتطفل الذي أضر بالرواية أكثر من أن ينفعها، فكان نقداً مزاجياً مندفعاً تحت الشعارات البراقة. لكنني أؤكد على أن الرواية الحقيقية أخذت مكانها الطبيعي بين أيدي القراء، وأصبح القارئ ناقداً يفرق بين الغث والسمين، وليس المتلقي بحاجة إلى التأويل والتفسير ومضيعة الوقت في تكرار الكلمات والعبارات والألفاظ البذيئة التي يعتقد أصحابها أنهم حققوا ما لم يحققه الأوائل، فالمتلقي بحاجة إلى لغة أدبية وأسلوب مرن وخيال متناسق يعيش معه تشوه الحدث ويخرج منه بنتيجة. كما أن الرواية ليست منبراً للمواعظ والخطب والتوجيه المباشر، بل هي فن له خصوصيته وشخصيته المستقلة، يطرح الحدث دون أية مسؤولية، ويترك للقارئ مساحة من التفكير والتأمل بحرية مطلقة.