البحث العلمي سريع الحركة سريع التطور لعل ارتباطه بالتطور التقني يجعله متغيراً ومتجدداً. علاقة البحث العلمي بالتقنية علاقة متشابكة فكل منهما يتغذى على الآخر، فالتطورات التقنية أساسها أفكار بحثية والمجال البحثي يستفيد كثيراً من التقنية الحديثة التي تساعده على رفع مستوى الجودة الأدائية. والبحث العلمي مجال تنافسي بمعنى أنه يعتمد كثيراً على الإنتاجية وجودتها والإنتاجية هنا تعني القيمة العلمية لا القيمة المادية أو العددية، لذلك يجد كثير من الباحثين صعوبة في نشر أبحاثهم في مجلات محكمة والتي ارتفع معيار التحكيم والنشر فيها وينطبق ذلك أيضاً على التنافس للحصول على التمويل البحثي وهذا الأخير مهم جداً للرقي ولاستمراية البحث والتعليم والتدريب. نخطئ حين نعتقد أن "المنافسة" في سياق البحث العلمي هي منافسة ماراثونية للحصول على لقب "أول من" أو "أول اكتشاف" فنحن في زمن تجاوز هذه الألفاظ، بل إن كثيراً من المجلات العلمية ترفض أو تقلل من استخدام الألفاظ المضخمة أو إدعاءات الأسبقية لأسباب كثيرة منها التركيز على المعلومة العلمية المطروحة في سياقها والبعد عن البهرجة التسويقية إن صح التعبير وصح التفسير. وهي بذلك تعطي الباحث درساً كي يضع الأمور في نصابها كما تحمي نفسها من أي تبعات قانوية لادعاء قد ينقض. "المنافسة" في البحث العلمي هي منافسة في الجودة وفي الأداء في رفع مستوى الإنتاجية في نقل التقنية وتوطينها والأساس في ذلك هو التواصل ضمن المجتمع المعرفي. يفترض فيها هنا "المنافسة" أن لا تخلق عداوات ولا فرقا تتسابق للوصول لخط النهاية بل هذه الفرق تتواصل مع بعضها تتبادل المعلومات لديها أرضية مشتركة واهتمامات تلتقي أحياناً وتتوازى أحياناً وترتبط أحياناً. كثير من الأبحاث العلمية التي حققت نقلة نوعية في مجالها التخصصي هي نتيجة تحالفات ومشاركات أكثر من مجموعة علمية. ففلسفة العمل في البحث العلمي تعتمد على مشاركة الفكرة، التواصل مع الآخرين التعاون معهم والاستفادة من خبراتهم، لذلك هي تبدأ بالاعتراف الصادق مع النفس بأنك لا تمثل السقف العلمي ولا الأكاديمي وأنك مازلت بحاجة كي تتعلم من الآخرين. وهذه الفلسفة تبعد "المنافسة" عن مفهومها التقليدي في أذهاننا وتحولها إلى منافسة ترقى بالجودة والأداء والمخرجات.