أثار البيان الصادر عن خادم الحرمين الشريفين بعد القمة الخليجية الطارئة التي عقدت في الرياض والتي عملت على رأب الصدع الخليجي استعداداً للقمة الخليجية المرتقبة في شهر صفر 1436 وما صدر عنه حفظه الله من بيان يوضح مدى الإحساس بالأمانة والحب الشديد للأمة بمحيطها الخليجي والعربي والاسلامي وقد اثار هذا البيان الحاجة لتقييم المرحلة التي مرت منذ فبراير من عام 2011 للميلاد وتوجب استعراض تلك الأحداث التي مرت بها منطقتنا. في منتصف القرن الماضي عاش العالم العربي موجة من الانقلابات أطاحت بأنظمة قائمة وجاءت بأنظمة جديدة معظمها انقلابات عسكرية وتمت تلك الانقلابات على الحكم في تلك الدول تحت ذرائع كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر طرد الاستعمار وأذنابه والنهوض بالبلاد وقيادتها نحو التطور وإبعادها عن التخلف وانظمة الحكم التقليدية والقمعية والبالية بزعمهم!! هذه بعض الشعارات التي كانت تطلق في ذلك الوقت والتي كان يرددها أعلام تلك الدول في تلك المرحلة ليل نهار حتى صدقها بعض الانتهازيين لركوب الموجة. رغم ان بعض الحكومات التي كانت قائمة في تلك المرحلة ليست تحت الاستعمار بل ان بعضها كان يعيش في مستوى معيشي متقدم (بمعايير التقدم الحديثة كما يعتقد البعض) على كافة الصعد من حقوق إنسان وانتخابات برلمانية وكانت أقتصاديات تلك الدول متقدمة جدا فكانت تقرض الدول الصناعية وتعتبر مصدرا لكثير من السلع والبضائع والمواد الخام، بل ان بعض عواصم تلك الدول كانت تغسل بالماء والصابون كل مساء وبعد ان تسلطت عليها الانقلابات والثورات تحول كل ما ذكر إلى النقيض. وطوال تلك المرحلة عاشت شعوب تلك الدول تحت اشكال مختلفة من الظلم والتسلط وانتهاك كافة الحقوق ونتج عن تلك المرحلة كم هائل من الضغوط وهضم للحقوق وأدى كل ذلك إلى مرحلة ان عاش العالم العربي ونتيجة للضغوط التي مارستها الانظمة القمعية للبحث عن بديل ينقذها مما هي فية فكانت فكرة الاحزاب الايدولوجية التي استخدمت الشيوعية اليسارية او اليمينية او الايدولوجية الدينية هذه المرة كمطية للوصول للسلطة وبهدف نبيل آخر طبعاً هو الاصلاح وبسبب العاطفة الدينية والثقافية القوية للإنسان العربي ونتيجة لاستخدام المصطلحات الدينية وجدت دعوات تلك الاحزاب صدى قويا وانتشارا واسعا لفكرتها لانها ارتبطت في خطابها السياسي بجميع مشاريعها ورؤاها السياسية بالله عز وجل او كما يدعي أولئك الاشخاص وتلك الاحزاب. مما اوجد بيئة حاضنة وولد مجالا خصبا للانفجار وولادة ما يسمى الربيع العربي في بداية 2011 حيث انفجر العالم العربي وانفجرت عواصمه في وجه تلك الحكومات القمعية والفاشلة والتي اتت اصلا للحكم بالانقلابات بحجة الاصلاح والتطوير والنهوض ببلدانها فإذا بها توردها انواعا من الفشل الذريع فاستغلت الاحزاب الأيدولوجية الفرصة وتصدرت المشهد واستلمت قيادة تلك العواصم بحجة ان الاسلام هو الحل (كرم الله دينه الحنيف عن هذه الممارسات) وكان ذلك هو الشعار الكبير والعنوان الرئيسي التي استغلته تلك الاحزاب للوصول للسلطة وصدقته الشعوب وماهي إلا فترة قليلة حتى ثبت للمجتمعات العربية فشل وعدم قدرة تلك الاحزاب على عمل شيء لإنقاذ تلك البلدان التي وصلت إلا مراحل من الفشل يصعب تغييره بالطرق التقليدية او بالنظريات التي استخدمتها الاحزاب الأيدلوجية فأسقطت الشعوب مرة اخرى تلك الحكومات التي قامت على فكرة الحزب المؤدلج مرة بدعم شعبي دعمته القوات المسلحة وبدعم شعبي غير مسبوق كما حصل في مصر وفي ليبيا ومرة أخرى بصناديق الانتخابات النزيهة كما حدث في تونس منذ اسابيع وكانت التجربة التونسية والتي هي مهد ربيع الشر اقسى تلك التجارب والتي اثبتت فعليا ان الشعوب لن تستطيع ان تتقدم وتنمو ويتم الكذب عليها بشعارات دينية لا تحمل مشاريع تنموية حقيقة. وفي المقابل قامت حكومات دول الخليج بتسريع وتيرة الاصلاحات التي كانت قائمة أصلا ولم يزدها ما يسمي بالربيع العربي او ربيع الشر العربي إلا خيرا وتسريعا في مشاريعها الاصلاحية وزادها تواصلا وحبا لشعوبها وعلى سبيل المثال لا الحصر ما حدث في المملكة العربية السعودية من مشاريع يصعب حصرها في هذا المقال منها تحديث البنى التحتية والمشاريع العملاقة مثل مشروع الملك عبدالعزيز للنقل العام او مشاريع الإسكان وكافة هذه المشاريع تزيد من حجم الاقتصاد الوطني وكذلك تؤسس لوجود واستمرار رصيد كاف للأجيال القادمة كما أدت هذة السياسات إلى انضمام المملكة لدول مجموعة العشرين للاقتصاديات في العالم كأحد الاقتصاديات العالمية الواعدة والفاعلة. وفي نفس المرحلة الزمنية وفي ظل ربيع الشر العربي، لم ينزف نقطة دم واحدة او ينتهك حق لمواطن في دول الخليج العربي مما اثار استغراب المراقبين وتساؤلهم هل شعوب دول الخليج كانوا لا يعيشون في اضطهاد وقمع وكبت للحريات ألم يعيشوا في سرقة لحقوقهم كما كانت تطبل بعض منظمات حقوق الانسان وبعض الدول وبعض دول الجمهوريات العربية الفاشلة ألم تسرق مواردهم وتنهب من الدول الاستعمارية والإمبريالية وتركوهم فقراء لا يجدون ما يأكلون فظهر ذلك على حياتهم وتقشفهم فلماذا هذه الشعوب لا تنتفض وتقوم بثورة او (ربيع شر) كما فعلته بقية الشعوب العربية!! ومهما فسرنا وشرحنا لهذة المنظمات والدول فلن تقتنع ولن تفهم ان هذه الشعوب مع حكامها تعيش في تناغم ولكي تفهم ما يحدث في دول الخليج يجب ان تكون قريبا او جزء من ثقافة هذه المنطقة لكي تفهم ماذا يحدث من أن قيادات دول الخليج لم يأتوا بانقلاب ولا على ظهور الدبابات بل هم جزء من قبائل وأسر شبه الجزيرة العربية الذين هم أصل العرب والفروسية والنخوة والكرامة حيث لا يرضى العربي بالذل والمهانة انه نسيج اجتماعي متداخل بين الحاكم والمحكوم لا ينغصه اختلاف على اساس عقدي او ديني. تنتظر شعوب الخليج من حكامهم في القمة القادمة في الدوحة مزيدا من الخطوات التنموية وخطوات تؤكد الوحدة الخليجية وتدعمها لتكون تلك الوحدة نموذجا يحتذى به للوحدة ونواة للتضامن العربي الحقيقي الذي ينعكس فعليا على التنمية لمواطن هذه المنطقة والانعتاق من التخلف العلمي والثقافي فإلى الامام نحو الاتحاد الخليجي لمزيد من التضامن العربي الذي بدأ فجره في البزوغ.