1914 – 2014 م لنقرأ ما بين هذين التاريخين، ولنمعن النظر فيهما، ولنستقرئ التاريخ خلالهما، وماذا يعنيان للإنسانية؟ وماذا يجب على العالم المتمدن أن يفعل تجاههما، فخلالهما تأسست مؤسسات عالمية وجمعيات وطنية وهيئات حقوقية وقيام نشطاء لحقوق الإنسان، وقامت المئات بل الآلاف من الجمعيات في مختلف أنحاء العالم لإيجاد عالمٍ يسوده الأمن بدل الخوف والسلام عوضاً عن الحروب، فهذان التاريخان يفصل بينهما مئة عام فالأول قامت به الحرب العالمية – العظمى- والثاني ما نعيش فيه ونعايشه وما يأمل العالم فيه أن يكون عامًا للسلام والأمن والإخاء بين شعوب الارض، فيوم اندلعت شرارة الحرب وبدأت النيران تحصد الملايين من القتلى وهم في زهرة شبابهم، إذ طحنت الحربُ الحجر والبشر ودُفن فيها ما يقارب 8،674،400 قتيل، وأما الجرحى والمشوهون ودائمو العاهات فيربو على ثلاثين مليون شخص وها هو العام 2014م يذكر العالم ما حدث في ذلك العام (1914م)، عام قيام الحرب العالمية وما جرى فيه من آلام اعتصرت معايشيه، وأهرمت شبابه قبل أوانه، ليقف زعماء العالم يقرأون تاريخ ذلك العام وما ينبغي أن يكون عليه عالم اليوم، فالموعظة في ذلك اليوم هي المعول ولكن هيهات من موعظة فالعالم في سباتٍ عميق، فالحرب تستعر، والقتل يزداد، ورائحة الموت تنبعث من جنبات العالم، فبعد مئة عام وبعد تكوين الهيئات والمؤسسات والجمعيات المنادية لحقوق الإنسان والمؤملة أن يعيش العالم في تآخٍ ونبذ العنف، نجد حربًا في أوكرانيا، وأخرى بالشام، وتمزيقًا في العراق، ونارًا تلتهب في ليبيا، وسعيرًا في الصومال والسودان، وجوعًا في الحبشة وإرتيريا، وتقطيع أوصال الكثير من العالم، وتهجيرًا في ماينمار، وتهديدًا لقطع المياه عن مصر، وأما استهداف غزة في اليوم الأول من شهر رمضان المبارك من العام المنصرم والذي استمرت أكثر من شهر، هدمت فيه البيوت على ساكنيها، وقُتِل أكثر من ألفي شهيد ثلثهم من الأطفال، وجرح أكثر من عشرة آلاف جريح ثلثهم أيضا من الأطفال كما جاء ذلك في بيان منظمة الصحة العالمية، فحينما يتذكر العالم الرابع من أغسطس 1914 م ويتذكر زعماؤه الحرب التي استمرت للفترة الأولى أربعة أعوام، والملايين من الأنفس البريئة التي ذهبت ضحيتها، فإن ذلك كفيل بأن يقف العالم صفاً واحداً متكاتفاً ضد شرور الحروب ومسعريها، وهذا ما أكده خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز في كلمته للعالم أجمع ودعوته لتفعيلِ المركز العالمي لمكافحة الإرهاب ووأد الفتنة في مهدها، والبيان الذي أصدرته المملكة العربية السعودية لاعتذارها عن ترشيحها لمجلس حقوق الإنسان وذلك للمبررات والدواعي التي جاءت في البيان، إذ جاء فيه: (يسر المملكة العربية السعودية بداية أن تتقدم بخالص الشكر وبالغ الامتنان لجميع الدول التي منحتها ثقتها بانتخابها عضواً غير دائم في مجلس الأمن لعامين، وأن المملكة العربية السعودية وهي عضو مؤسس لمنظمة الأممالمتحدة لتفتخر بالتزامها الكامل والدائم بمقاصد ومبادئ ميثاق الأممالمتحدة إيمانا منها بأن التزام جميع الدول الأعضاء التزاما أمينا وصادقا ودقيقا بما تراضت عليه في الميثاق هو الضمان الحقيقي للأمن والسلام في العالم، وإذا كانت الدول الأعضاء في منظمة الأممالمتحدة تعتبر الظفر بعضوية مجلس الأمن المعني حسب ميثاق المنظمة بحفظ الأمن والسلم العالميين شرفا رفيعا ومسؤولية كبيرة لكي تشارك على نحو مباشر وفعال في خدمة القضايا الدولية، فإن المملكة العربية السعودية ترى أن أسلوب وآلية العمل وازدواجية المعايير الحالية في مجلس الأمن تحول دون قيام المجلس بأداء واجباته وتحمل مسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلم العالميين على النحو المطلوب الأمر الذي أدى إلى استمرار اضطراب الأمن والسلم، واتساع رقعة مظالم الشعوب واغتصاب الحقوق وانتشار النزاعات والحروب في أنحاء العالم ومن المؤسف في هذا الصدد أن جميع الجهود الدولية التي بذلت في الأعوام الماضية والتي شاركت فيها المملكة بكل فاعلية لم تسفر عن التوصل إلى الإصلاحات المطلوب إجراؤها لكي يستعيد مجلس الأمن دوره المنشود في خدمة قضايا الأمن والسلم في العالم، إن بقاء القضية الفلسطينية دون حل عادل ودائم لخمسة وستين عاما والتي نجم عنها عدة حروب هددت الأمن والسلم العالميين لدليل ساطع وبرهان دامغ على عجز مجلس الأمن عن أداء واجباته وإن فشل مجلس الأمن في جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من جميع أسلحة الدمار الشامل سواء بسبب عدم قدرته على إخضاع البرامج النووية لجميع دول المنطقة دون استثناء للمراقبة والتفتيش... إلى آخره، لا يسعها إلا أن تعلن اعتذارها عن عدم قبول عضوية مجلس الأمن حتى يتم إصلاحه وتمكينه فعليا وعمليا من أداء واجباته وتحمل مسؤولياته في الحفاظ على الأمن والسلم العالميين)، وبعد أقل من عام أي في عشرين اغسطس 2014 م نجد أن الأممالمتحدة تندد بحالة الشلل الدولي حيال النزاع في سورية حيث قالت المفوضة العليا لحقوق الإنسان في الأممالمتحدة (نافي بيلاي) في بيان أصدرته: (إن حالة الشلل الدولي شجعت القتلة والمدمرين والجلادين في سورية والعراق، ورأت أن من المشين أن لا يثير الوضع الصعب الذي يعاني منه الجرحى والنازحون والمعتقلون وعائلات القتلى والمفقودين المزيد من الاهتمام بالرغم من معاناتهم الجسيمة)، ولقد انتقدت (بيلاي) قادة العالم لعدم التحرك لتسوية عدة نزاعات مسلحة وانتقدت مجلس الأمن الدولي لما سمته غياب الإرادة لإنهاء النزاعات حيث قالت: (إن من العار ما نشهده من تراجع الاهتمام العالمي بالنزاع في سورية)، ووثقت المفوضية العليا لحقوق الإنسان 191369 قتيلا في سورية بين آذار /مارس 2011م ونهاية نيسان/ابريل 2014م أي أكثر من ضعف عدد الضحايا قبل عام عندما تم تسجيل 93000 قتيل، وأشار فضيلة الشيخ ابن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام إلى ذلك فقال: (إلى متى هذا الصمت العالمي الرهيب والإبادات الجماعية في سورية والعراق واليمن ومناطق أخرى، وفي مواقف محزنة لا تلوح بوادر انتهائها وتوظفُ من أجل أهدافٍ سياسية وخطط عدوانية ومصالح ضيقة) وفي اليوم الرابع عشر من اغسطس 2014 قدمت المملكة العربية السعودية مئة مليون دولار للمركز الدولي لمكافحة الإرهاب تأكيداً منها على أهمية هذا المركز ودوره في مكافحة هذا المرض الخبيث، واليوم العاشر من ديسمبر 2014م يحتفي العالم باليوم العالمي لحقوق الإنسان وهو المصادف لمرور مئة عامٍ على قيام الحرب العالمية العظمى فعلينا أن نستذكر دعوة عقلاء وحكماء وزعماء العالم المنادين بالسلام الداعين إلى الأمن ليحل السلام في ربوع العالم، ويهيمن الحب بدل البغضاء والشحناء، فقد أشهد خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالم حيث قال: (اللهم إني بلغت، اللهم فاشهد، اللهم فاشهد)، فالعبارة كافية، والشهادة وصلت إلى من بأذنه صممُ، ومن المحزن حقاً أن عنوان اليوم العالمي لحقوق الإنسان لهذا العام هو حقوق الإنسان 365 مما يعني أن حقوق الإنسان على مدى العام يأخذ كل ذي حقٍ حقه، ولكن المفاجأة أن هذا العام اُنتهكت به حقوق الإنسان على مدى 365 يوماً، وما نسر الصومال وطفله الا شاهدان على عدم الالتفات او النظر الى حقوق الانسان، فليعِ العالم الدرس وليأخذ العظة والموعظة، والله المستعان.