لاتزال أفلام الغرب الأمريكي ذات نكهة خاصة، ويبدو أن هناك أثرا واضحا للأعمال الكلاسيكية التي تنتمي إلى هذا الصنف السينمائي في ذاكرة المخرج الدنماركي كريستيان ليفرينج، والذي كان من مخرجي سينما الدوغما وقواعدها العشر. والدوغما هي الحركة السينمائية التي أسسها في الدنمارك لارس فون تيرير وتوماس فيتزبيرغ، في عام 1995، للتحرر من الشروط الإنتاجية التي تفرض على المخرجين. وكانت معظم القواعد تؤكد على ضرورة الابتعاد عن كل المؤثرات والتصوير بشكل معين والحرص على الاستفادة من معظم عناصر مواقع التصوير الحقيقية. ويبدو أنه لم يعد هناك من هو ملتزم بالقواعد العشر، بعد أن أصبحت قيداً على الإبداع في حد ذاتها، وقد ابتعد عنها تيرير نفسه، منذ زمن، كما آخرين كثر. ولذلك ففيلم ليفرينج الأخير "الخلاص" "The Salvation "، لا يحمل أي أثر للدوغما ولو من بعيد، بل إنه أقرب ما يكون إلى المدرسة القديمة والتقليدية لأفلام الغرب وخاصة أفلام من نوع "حدث ذات مرة في الغرب" وأفلام السباغيتي أو أفلام الغرب التي قام بإخراجها مخرجون إيطاليون. وقد قام بكتابة السيناريو للفيلم الكاتب والمخرج الدنماركي المعروف "أندرس توماس جينسن"، والذي سبق أن كتب سيناريو الفيلم الدنماركي الفائز بجائزة الأوسكار "In A Better World"(2010)، وكذلك فيلم "After The Wedding" (2006)، الذي رشح للأوسكار. كما أنه سبق لجينسن أن تعاون مع ليفرينج في فيلم سابق هو "Fear Me Not" (2008). يروي الفيلم قصة "جون" (مادس ميكيلسن) الجندي الدنماركي الذي شارك في حرب ال 1964 ضد الروس والألمان ثم قرر الهجرة إلى الولاياتالمتحدة مع أخيه بيتر (السويدي ميكائيل بيرسبراندت)، ولكنه لم يأخذ عائلته معه. نراه في بداية الفيلم يستقبل زوجته وابنه بعد 7 سنوات من الفراق، في محطة قطار في إحدى الولايات (لم يتم تحديد المكان). يقرر بيتر أن يترك جون مع عائلته في عربة، ويذهب هو لوحده، ولكن قبل مغادرة العربة التي يركب فيها جون وعائلته للمحطة، يركب رجلان معهما. لا يبدو أن الرجلين ينويان مغادرة العربة بسلام، وينتهي الحال بجون أن يرمى من العربة في طريق مقفر، ليصطدم بعد ركضه للحاق بهم بجثة ابنه أولاً، وبعدها بقليل يشاهد العربة، فيطلق النار على الرجلين بشكل محموم، ويحمل جثة الابن والزوجة، إلى حيث يسكن ليواريهم الثرى. في تلك الأثناء، يقوم ديلارو (جيفري دين مورجان) بعد تلقي خبر قتل أخيه بول (وهو أحد الرجلين اللذين قتلهما جون) بتهديد عمدة القرية وقسيسها ماليك (دوجلاس هينشال) ومحافظ القرية كين (جوناثان برايس) بأنه سيقتل شخصين من سكان القرية إن لم يتم تسليم قاتل أخيه له خلال ساعتين. يبدو واضحاً أن ديلارو يشكل كابوساً على سكان القرية بجبروته وعصابته التي يرأسها، وهو أيضاً يقوم بشراء الأراضي بأسعار رخيصة، ويساعده في هذا المحافظ كين، وكما يبدو واضحاً من لقطة تتكرر بين آن وآخر، أن، هناك "ذهب أسود" في بقعة ما في طرف القرية، تشي بأن ديلارو يعي أن المنطقة غنية بالنفط ولذلك فهو يشتري الأراضي بسعر رخيص ويبيعها بسعر عال. يقتل ديلارو ثلاثة أشخاص بعد فشل العمدة والمحافظ في إيجاد القاتل، لكن جون يمر بعد عدة أيام على القرية، ويتمكن أحدهم من التعرف عليه، وتسليمه إلى ديلارو. يبدأ الصراع بين الأشرار و"الأخيار" وإن كنا نشاهد أن طريق الخير يبرر الانتقام بسهولة والقتل بشهوة. رغم أن السيناريو لم يضع شكلاً مختلفاً عن النمط المعروف لفيلم الغرب، إلا أن هناك بعض التمرد على أنماط الشخصيات المعتادة، فليس هناك من وجود للهنود الحمر والقتل وسط البيض فقط، وهناك بالطبع المهاجرون الأوربيون في الصورة. كما أن هناك أيضاً أرملة بول (إيفا جرين) التي تؤدي دوراً نسائياً غير معهود في هذا النوع من الأفلام، فهي تشارك بشكل واضح في الصراع الدائر ولا تبدو أقل من أي مقاتل آخر. وهناك أيضاً العمدة الذي بدا الشخص الوحيد القادر على رؤية الأحداث بشكل مختلف وإن كان ضعيفاً بعقله وحكمته وسط لغة السلاح. تصوير الفيلم تم في جنوب أفريقيا ولكن هناك اهتمام عال بجماليات الصورة كما هو معتاد في هذه النوعية من الأفلام بشكل يحسب للمخرج الذي بدا حريصاً على إعادة هذا النوع السينمائي بكل تفاصيله، ويشهد على هذا الموسيقى التصويرية الجميلة جداً. كما لا بد من الإشادة بأداء الممثلة الفرنسية ايفا جرين، التي مثلت دوراً صامتاً فقد أدت دور امرأة بكماء وأجادت في نقل أحاسيسها من خلال تعابير وجهها ونظرات عينيها. أما ميكيلسن، فكان قديراً كعادته في نقل أحاسيس مختلفة دونما حوارات كثيرة. ما يبدو أنه الخلاص في الفيلم هو الوقوف في وجه الشر ومجابهته، ولكن ما حدث هو أن هذا لم يتم إلا بإراقة الكثير من الدماء والقتل، وهنا يبدو موقف العمدة في عبارته الأخيرة هو امتعاض من أن هذه الطريقة لن تجلب السلام لمن يفعله.