أصبحت العاملة المنزلية جزءاً من ثقافة الأسرة و"برستيجها" المجتمعي، حيث إن الاعتماد الكلي على الخادمة حتى في أصغر الأمور الحياتية كجلب كأس الماء، جعلنا نؤسس لأسر هشة تنهار عند غيابها، و تهتز حتى موعد قدوم العاملة البديلة، لاسيما أن تلك "الاتكالية" جعلتنا شركاء في إنعاش السوق السوداء لخادمات بلا إقامة، والمساهمة بشكل غير مباشر في الإخلال بأمن الوطن من خلال استقبال عمالة مخالفة لا نعرف أسباب وجودهم، أو ربما علاقتهم بجريمة يجري البحث عن المتسبب فيها. وعندما ينشأ "جيل اليوم" على وجود خادمة تعمل له كل أساسياته، يصبح من الصعب الاستغناء عنها، ولأنه نشأ على هذا الشيء فمن الطبيعي أن ينهار داخل المنزل، مما يؤثر عليه بالسلب مستقبلاً، مما يتطلب أن يكون لكل فرد في الأسرة مهام منزلية حتى في ظل وجود العاملة، وألاّ يتم استغلالها في كل شيء، كذلك من المهم أن لا يعتاد الأبناء عليها بشكل كبير، وأن تكون الغرفة من مسؤولية كل ابن، حيث إننا بهذه الطريقة سنخلق روح المسؤولية لدى كافة أفراد الأسرة. إن موضوع وجود العاملة بداخل المنزل سلاح ذا حدين، لكن السؤال الأهم كيف يجب أن تكون درجة اعتماديتنا على العاملة؟، وكيف نستطيع ترتيب وقتنا حتى لا يختل توازن الأسرة في حال غيابها أو هربها؟. أرق مجتمعي وقال "سعود فايز الفايز" -موظف قطاع خاص-: إن استقدام العمالة المنزلية لازال يؤرق راحة غالبية الأسر السعودية، فالطلب أكبر بكثير من العمالة المتاحة التي غالبيتها من الجنسية الأفريقية، بل إن بعضها غير مهيأة للعمل مع الأسر، ولا مع خصوصيتها وحياتها المجتمعية واجتماعاتها الأسبوعية، مما خلق روح تذمر بين العائلة التي لا يعجبها تفهم العاملة، وبين العاملة التي لم تعتاد على كل هذه المهام، إضافةً إلى الحياة المجتمعية التي يصاحبها غالباً "بهرجة حفل"!. تكثيف الأعمال على الخادمة يجعل الأسر تتأثر سلبياً في حال سفرها تحمل المسؤولية وأوضحت "هتون اليوسف" -موظفة قطاع خاص- أنه بحكم وجودها في منزل لا تنقطع منه الخادمات سواء في المأكل والمشرب وتدبير شؤون المنزل، إلاّ أنها منذ صغرها لم تكن تُحب الاعتماد الكلي عليها، مضيفةً: "أُحب ترتيب أمور الشخصية بنفسي، لأنه عندما كنت أعتمد على الخادمة كانت تضع لمساتها على غرفتي وملابسي، وتغيير أماكن أغراضي الشخصية، ولكي أجتنب هذا كله أصبحت أحب أن أعمل لنفسي كل ما يخصني"، مشيرةً إلى أن تخلصها من قيود الاتكالية على العاملة جعلها تشعر بمسؤولية أكثر تجاه نفسها، وأن تكون مرتبة في وقتها، ذاكرةً أنها عندما تزوجت حرصت على عدم دخول عاملة منزلية إلى بيتها، على الرغم من اعتيادها وزوجها على وجود عاملة منزلية في منازل ذويهم، حيث استطاعت أن تؤثر بزوجها وتجعله يحرص على ترتيب مكانه، وأن يأكل في مكان محدد، بل ويضع أطباقه في المغسلة، مبينةً أن كل ما نحتاجه هو ترتيب الوقت وتوزيع الجهد، وأن نتيقن بأننا نرتب المكان لأنفسنا. نظام منزلي واتفقت معها زميلتها "صباح السعد" -موظفة في القطاع الخاص- قائلةً: وجود العاملة المنزلية ضروري ومهم بالنسبة لي، وذلك لظروف عملي وساعاته الطويلة، حيث اعتمد عليها غالباً في تجهيز الطعام للأولاد ولزوجي في حال تأخرت، إلى جانب أداء أعمال المنزل المختلفة، مبينةً أنه نتيجة أزمة العمالة التي تعرضت لها غالبية الأسر السعودية، أجبرت على توزيع العمل بينها وبين زوجها والأبناء، فأصبح من مهامها الطبخ وتنظيف المنزل، وتركت غسيل الملابس وكيها على زوجها، ذاكرةً أن غسيل الأطباق من مهام الأبناء، مشيرةً إلى أنه بهذه الطريقة مضت حياتهم بشكل مرتب وانسيابي، واستطاعوا تجاوز أزمة العمالة بسلالة. ربكة شديدة وكان الحال مختلف مع "هند الحسين" -موظفة في قطاع خاص-، موضحة أنها لم تعتاد وأسرتها على عدم وجود عاملة منزلية، فهم في ربكة شديدة، وغالبية أكلهم من المطاعم، مضيفةً: "لدي ابنتان فقط، وعندما يُقدمون خدمتهم لي أو ترتيب أي أمر في المنزل، لا يكون الأمر عن طيب خاطر، بل يكون بالتذمر والتأفف، فهم لم يعتادون المسؤولية وتحملها، بل وصل الأمر إلى تناول الطعام المطبوخ من اليوم السابق"، مشيرةً إلى أن فكرة وجود العاملات بالساعة خفّف عليها كثيراً من ناحية تنظيف المنزل أسبوعياً. لا نستطيع وقالت "أم الليث القحطاني" -ربة منزل-: "بيت ما فيه شغالة، زي قهوة ما فيها هيل"، مضيفةً أنها لا تستطيع تخيل منزلها بلا عاملة، فمنذ أن كانت في منزل أهلها ما أن يمضي عام على وجود العاملة الأولى إلاّ وتبدأ بإجراءات استقدام العاملة الثانية، مبينةً أن منزلها منذ أن ولدت لا يخلى من وجود عاملتين، ولا يمكن أن تتخيل نفسها بلا عاملة، أو حتى تسمح بهذا الأمر؛ لأنها وزوجها وأبناءها بدونها سيفتقدون التنظيم، خاصةً وأن الخادمة مسؤولة عن الطبخ والتنظيف وترتيب كافة أمور المنزل. د. عبدالعزيز الدخيل وضع نادر وكان الوضع مختلفاً تماماً ل"منيرة الدوسري" -موظفة في قطاع خاص-، قائلةً: أنا وأخواتي ووالدتي ضد وجود عاملة في المنزل، فأصغر فتاة في المنزل عمرها (22) عاما، إذ لا حاجة لوجود العاملة نهائياً، فلدينا جدول أسبوعي يقسم فيه العمل بيننا نحن الأربعة، فواحدة تستلم المطبخ وطهي الطعام، وأخرى تستلم تنظيف المنزل، وثالثة غسيل دورات المياه وأخرى تهتم بالغرف، وفي نهاية كل أسبوع تمسك واحدة منا بدور غسيل ملابس المنزل كله والكي، مضيفةً أنه في الأسبوع تحصل كل واحدة منا على يوم إجازة، وبحكم أن منزلهم لا يخلى من الزوّار خاصةً وأننا منزل فتيات، ولا يوجد أي رجل في المنزل، فأي ضيفة تدخل المنزل وتجلس معنا تعمل على مساعدتنا، فلا نشعرها بأنها غريبة، وفي نهاية السهرة نعمل على غسيل الأطباق أو الطبخ معاً، مشيرةً إلى أنهم منذ الصغر معتادون على أن يهتم كل فرد بشأنه الخاص، وكذلك شقيقها الوحيد الذي يهتم هو بغسيل ملابسه وطبخ طعامه وترتيب غرفته، حتى بعد زواجه. الأسر مسؤولة عن تكليف الأبناء ب«مهام منزلية» حتى لا تتأثر بمغادرة العاملة مستقبلاً جيل مهمل وأكد "د. عبدالعزيز الدخيل" -اختصاصي اجتماعي- على أن فكرة وجود العمالة المنزلية موجودة منذ تاريخ الإسلام وفي عصر النبوة، لكن الأمر لم يكن كما هو في الشكل الحالي، فقد أصبح الجيل الحالي يعتمد اعتماداً كلياً على العاملة في مأكله ومشربه وملبسه، بل وحتى في ترتيب فراشه الذي يبيت فيه، حتى أصبحت جزءاً من ثقافة الأسرة السعودية، مضيفاً أنه عندما تسافر العاملة المنزلية، ترتبك الأسرة، بل ويصبح غيابها كارثة، فحتى ربة المنزل أصبحت لا تتقبل منزلها بلا عاملة، ويكون هناك حالة امتعاض أسري، مبيناً أننا نعتمد على العاملة بطريقة خاطئة، في تجهيز المنزل والاهتمام بالأطفال والطبخ والنظافة مما خلق جيلاً مهملاً، ذاكراً أنه عندما يعتاد كل شخص أن يكون مسؤولاً عن طبقه سيسهم في خلق أسرة نشيطة، تعتبر اهتمامها جزءاً من يومها، مضيفاً أن الأسرة -خاصةً في المملكة- يجب أن تتعلم المواءمة بين أمورها، وأن تضع احتمال غياب العاملة ممكناً، وألاّ تخشى من فقدان التوازن الذي قد يصيبها في حال غياب العاملة؛ لأنه بعد مرور الوقت سيعود الاستقرار وسيتعلم الأفراد تدبير شؤونهم. مهام منزلية وحمّل "د. الدخيل" ربة المنزل أسباب الاتكالية الحاصلة لدى أفراد الأسرة على العاملة، قائلاً: يجب أن يكون لكل فرد في الأسرة مهام منزلية حتى في ظل وجود العاملة، وألاّ يتم استغلالها استغلالاً كبيراً من قبل الأفراد، وأن يعتاد الأبناء على عدم الاعتماد الكلي عليها، وأن تكون الغرفة من مسؤولية كل فرد وأن ينظف مكانه، مضيفاً أننا بهذه الطريقة سنخلق روح المسؤولية لدى هذا الشاب والفتاة، فبعض الأسر تعود أبناؤها على الاعتماد على العاملة حتى في كأس الماء، وفي أقل مسؤولية ممكن أن يتحملها، مبيناً أن لدينا ثقافة الرجل المخدوم الذي يثقل كاهل المرأة ويجعلها تجبر على العاملة المنزلية، وتنهار لحظة غيابها، مؤكداً على أنه أصبح لدى بعض النساء وعي كافٍ وأصبحت تحارب الذكورية المجحفة في حقها. سفر وفائدة وأوضح "د. الدخيل" أنه عندما ينشأ الجيل على وجود خادمة تعمل له كل أساسياته، يصبح من الصعب الاستغناء عنها، ولأنه نشأ على هذا الشيء فمن الطبيعي أن ينهار داخل المنزل، في الوقت الذي قد يبذل مجهوداً في عمله أو مدرسته ضعف ما قد يبذله في ترتيب غرفته أو ملابسه، مضيفاً: "سافرت أسرة سعودية إلى الخارج لظروف عمل رب الأسرة، في وقت كانت فيه تعتمد اعتماداً كلياً على العاملة المنزلية، وعندما توجهت إلى الخارج وجدت نفسها أمام تحمل مسؤولية نفسها، فعلى الرغم من أن المتطلبات الاجتماعية أقل، لكن كان الوضع صعباً في بادئ الأمر، ومع مرور الوقت أعتاد كل فرد على أن يغسل طبقه الذي يأكل فيه، وأن يهتم بشأن طعامه وشرابه وتنظيف ملابسه، بل وأداء مسؤولياتهم بلا إهمال. أغلب الأسر في الوقت الحالي لا تستطيع العيش بدون خادمة الاتكال على الخادمة أسهم في إنعاش سوق العمالة المخالفة تشغيل الخادمة والوالدة لا تعلم! راتب الخادمات في المواسم وصل إلى 3000 ريال استيقظت والدة «هديل» صباحاً، وككل صباح تنادي العاملة: «نورياتي، نورياتي، جهزي قهوتي، يا ربيه وش فيها ذي صمخة ما تسمع؟»، وبصوت أعلى: «نووور ياااتي». بعد طول انتظار بحثت عنها في أرجاء المنزل ولم تجدها، والتي مكثت لديهم منذ ما يقارب الخمسة أعوام، فتوقعت هربها، تفقدت منزلها لتتأكد أنها لم تسرق شيئا، وعاشت حالة انهيار تام، فكيف لها أن تدبر شؤون منزلها خاصةً، وأنه لم يتبق إلاّ عدة أيام على شهر رمضان المبارك، الذي تستنفر فيه الأسرة عادةً. تفاجأت بأن ابنتها «هديل» أبدت استعداداً لأن تؤدي كافة أعمال الخادمة. قالت والدة «هديل»: «وش الطاري عليك، موب عوايدك تطبخين وتنفخين؟». «هديل»: «يمه عادي أنا أساعدك لا تشيلين هم أنتي، أفا عليك بس خلها تولي ماحنا ميتين بدونها». وفعلا مضى شهر رمضان كاملاً و»هديل» تؤدي أعمال المنزل كافة في ظل تعجب والدتها ووالدها. وفي أول أيام عيد الفطر المبارك، تتفاجأ والدة «هديل» بأن العاملة موجودة في المطبخ. «أم هديل»: «نووور ياتي، أنتي من وين طلعتي منه؟». «نورياتي»: «مدام أنا أروح عند صديقة هديل، هديل كلام روحي هناك!». «أم هديل»: «وش تخربطين أنتي؟». وبعد قليل تدخل «هديل»: «يمه أنا لقيتها عند جارتنا وجبتها، يقولون صار لها حادث وحنا مادرينا عنها!». ولحاجة والدة «هديل» للعاملة لم تدقق كثيراً على تلك الكذبة غير المحبوكة من طالبة المرحلة الثانوية. وبعد أسبوع تتفاجأ «أم هديل» أن ابنتها «هديل» «اللحوحة» على طلب المال لم تعد تطلب كالسابق، وتجدها تدفع مبالغ كبيرة في «المول»، لتعلم فيما بعد أن ابنتها أجرت عاملتهم المنزلية على صديقتها طوال شهر رمضان المبارك مقابل (4000) ريال، فقد فطنت لحاجة أسرتهم للعاملة فأحبت أن تخوض تجربة التجارة من خلال عاملتهم المنزلية!. حلول تمنع هروب الخادمات هروب الخادمات مشكلة تؤرق الأُسر كثيراً اقترح الباحث المتخصص "د. سلمان بن محمد العمري" -في وقت سابق- عددا من الحلول لمنع العاملة المنزلية من الهروب ليقينها التام أن سوقها مستمر طالما كان هناك عرض وطلب، منها: * كل عامل يتستر على عامل آخر يتم تسفيره هو الآخر، ومنعه من دخول المملكة عدة أعوام وإلزامه بغرامة لا تقل عن (20) ألف ريال. * من يُشغّل عاملا أو خادمة هاربة يتم منعه من الاستقدام لعدة أعوام وإصدار غرامة بحقه. * السائق الذي ينقل المخالفين داخل أو خارج المناطق تتم مصادرة المركبة وسجنه. * إعادة ضبط تنقلات المكفولين داخل المملكة بورقة من الكفيل، حيث ستحد من التنقلات. * المؤسسات الكبيرة والمشهورة، التي تؤوي المخالفين وتشغّلهم بمبالغ عالية يجب الوقوف أمامها بحزم، والتشهير بها، وهي موجودة في قلب العاصمة الرياض وفي أكبر المشروعات المعمارية التي يجري تنفيذها حالياً. * التشديد على التحويلات المالية للعمال، فهناك من يؤدي أدوار التحويلات من العمالة دونما حسيب أو رقيب وبمبالغ عالية. * تفعيل ما يسمى ب"البصمة" بشكل دقيق ومحاسبة العاملين المقصرين، والضرب بيد من حديد على كل من يتساهل في أمن البلاد. هذا ولا تزال بعض السيدات السعوديات تتاجر بالعاملات الهاربات، وتؤجر العمالة للأسر المحتاجة للعاملة مبلغ يتراوح بين (3000- 4000) ريال في الشهر الواحد، فيما امتنعت أخريات عن تأجيرهن بالشهر واستبدلن ذلك بفكرة التأجير بالساعة، حيث يتقاضين عن الساعة التي تعمل فيها الخادمة (20) ريالا. #هشتقة أسعار تأجير الخادمات في «السوق السوداء» الأوقات الاعتيادية: (1500- 2000) ريال * المواسم: (2500- 4000) ريال * قيمة الاستقدام: (12000- 15000) ريال * الشراء من السوق: تصل إلى (25) ألف ريال ويوجد أكثر من مليون عاملة و(500) على كفالات الأسر، ولازالت يُعاني الكثير من هروب عمالتها، وتوقع اقتصاديين ارتفاع أسعار تأجير الخادمات بين (70%- 100%)، داعين وزارة العمل لإعطاء تراخيص مكاتب تأجير الخادمات لنساء سعوديات يتمتعن بشخصيات قيادية، وإن هذا سوف يخلق فرص عمل جديدة للمرأة السعودية، ويقضي على البطالة.