ليست السيدة "أم علي" وحدها تعاني مشكلة المشاجرات والخلافات اليومية والمستمرة بين بناتها الأربع، بل هناك العديد وربما كثير من ربات البيوت يعانين المشكلة نفسها، ويرينها بمثابة النشاط اليومي لبناتهن، خاصةً عند دخولهن المطبخ وإدارة أمور المنزل، في ظل عدم وجود خادمات. وتبقى معاناة تلك السيدات وغيرهن من المشاكل مستمرة ولا يمكن أن تنتهي إلاّ بوجود خادمة، ومع ذلك أصبح محالاً لدى أغلب الأسر خاصة مع تدهور وضع الخادمات المنزليات في الآونة الأخيرة، من هروبهن من كفلائهن، أو اتجاه بعضهن إلى سوق سوداء لزيادة أسعار خدماتهن يومياً أو شهرياً، التي ارتفعت إلى أرقام قياسية يصل بعضها بين (2000) و(3500) ريال للشهر الواحد، أو ربما تأخر استقدام البعض من دول أخرى إلى سبعة أشهر أو أكثر في بعض الأحيان، ما أضطر كثيرين من أرباب البيوت إلى التخلي عن الخادمة المنزلية وإدارة المنزل من قبل الأم أو بناتها. خلاص ما نقدر نستغني عنهن أو حتى تستقر حياتنا من دونهن.. والبركة في «تربية الاتكالية» هذه الأسباب وغيرها كفيلة لأن توجد مشاكل منزلية، خاصةً بين الأخوات، التي تحكي لنا ممن التقتهن "الرياض" من الأمهات معاناتها مع بناتها داخل المنزل، التي عللتها أخصائيات اجتماعيات أن التعب والإرهاق وفي بعض الأحايين وغيرة بعضهن من بعض، قد تكون أسباباً رئيسة لوقوع المشاكل. "الرياض" تُسلط الضوء على الموضوع، وتلتقي المعنيين بالأمر، لمعرفة الأسباب التي تقف خلف ذلك، فكان هذا التحقيق. أزمات يومية في البداية قال السيد "أبو سامي" قائلاً: إن هذه المشكلة أصبحت تؤرق كثيرا من المنازل، خاصةً في الآونة الأخيرة، التي أدت إلى كثرة الخلافات والمشادات بين الأخوات؛ بسبب الأعمال المنزلية، التي باتت أيضاً تشكل لهن أزمات يومية لا تنتهي، على الرغم من تقسيم العمل بينهن من قبل الأم، مضيفاً أنه بدأ ينشط سوق تأجير الخادمات المنزليات، بل ويشتد التنافس في أسعارهن الخيالية، التي أرَقت كثيرين من أرباب البيوت، من أجل الحصول على الخادمة بأي ثمن، الأمر الذي جعل كثيرا من الأسر تُفضل الاستغناء عن الخادمات، اللاتي وصلت أسعارهن إلى حد غير معقول لا يمكن للأسرة أن تدفعها. تأخر فتح «باب الاستقدام» أوجد سوقاً سوداء وتزايد حالات الهروب عدم تنظيم وأرجع أبو "سامي" المشاكل والخلافات بين العائلة خاصة البنات في إدارة المنزل إلى عدم التنظيم، أو بالأحرى أن الفتاة لم تتهيأ للعمل المنزلي؛ بسبب الاعتماد على الخادمة المنزلية، التي لا تمضي أكثر من سبعة أشهر أحياناً إلاّ وهي هاربة من كفيلها، فيتأزم أهل البيت نتيجة لذلك، مبيناً أن مشكلة هروب الخادمات مرتبط بنشاط السوق السوداء لهن ومن يؤيهن ويتستر عليهن، مرجعاً أسباب ذلك إلى حصول الخادمة على هاتف نقال يتيح لها الاتصال ببني جلدتها، ليتسنى لها الهروب بسهولة، بل والحصول على أكبر قدر من الأجر، مقابل ما يتقاضاه المتستر عليها، إلى جانب تساهل ربات البيوت في تناقل أرقام الخادمات الهاربات للحصول عليهن من دون تكلفة. غسيل الأواني يجلب التعب للجنس الناعم أمهات دفعن 3500 ريال شهرياً رواتب خادمات لحل المشكلة.. مشاجرات لا تنتهي وأوضحت السيدة "أم علي" أنه بالنسبة لها ك "ربة منزل" فضلت الاستغناء عن الخادمة المنزلية لأسباب عدة، منها هروبها المتكرر واشتراطاتها بزيادة أجرها، كما أن بناتها فضلن العمل بأنفسهن لخدمتها، ذاكرةً أنه بالرغم من ذلك فإنها تعاني وبشكل يومي من المشاجرات والخلافات بينهن؛ بسبب الأعمال المنزلية، خاصةً في المطبخ، التي لا تنتهي عادةً إلاّ وقت النوم، مشيرةً إلى أنها لا تكاد تذهب لتستمتع بوقت راحتها، إلاّ وتسمع صراخ ومشادات بين البنات؛ بسبب من يعمل على غسل الأطباق والأواني، الأمر الذي سبّب لها إرهاقاً كبيراً، على الرغم من تقسيمها العمل بينهن. استغلال وحاجة وأكدت "أم علي" أن الأمر الذي تسبب في وصول أسعار الخادمات الهاربات إلى مستويات عالية، هو إدراك الخادمة أن أغلب الأسر لا يمكن أن تعيش من دون خادمة، كما أنهن يعلمن أنه في حال عدم وجود خادمة، فإن الأسرة تبدأ رحلتها في البحث عنها بأي طريقة، ولو كانت بأغلى الأثمان، المهم هو وجود خادمة في المنزل، مبينةً أن هذه الفئة استغلت حاجة المواطنين لهن من ناحية، وتأخر بعض العاملات في وصولهن من ناحية أخرى. علاقة عمل وقالت "مريم" وهي البنت الكبرى في المنزل لأم علي: تكثر مشاكلنا كفتيات في المطبخ، رغم أن والدتي عملت جهدها كي تبقي علاقتنا في المطبخ علاقة عمل فقط، إلاّ أننا ورغم ذلك كثيراً ما نختلف بسبب غسل الأواني، مضيفةً: "أعتبر الخلافات بيننا في المطبخ تنفيس عن مكبوتات لا نستطيع البوح بها، فوظيفة الشجار لدي أنا وأخواتي أشبه ما تكون بألعاب مسلية تنتهي حال انتهائنا من الأعمال"، مرجعة أسباب ذلك إلى عدم وجود الخادمة، التي أصبحت أمراً مهماً لدى كثير من الأسر. مال أكثر ورأت السيدة "أم خالد" أن سبب مشاحنات بناتها بعضهن مع بعض في المطبخ هو عدم الاتفاق في على أمور الغسل، مشيرةً إلى أن أكثر ما يرهقهن في المنزل هو غسيل الأطباق التي لا تتفق مع أمزجتهن، مضيفةً أن السبب في ارتفاع أسعار الخادمات الذي أدى إلى تملل أرباب الأسر من الدفع، هو هروبهن لأجل أخذ إيجار أكثر مما يدفع لهن، وعن الأسعار قالت: اضطرت إحدى صديقاتي لجلب خادمة في منزلها، رغم ارتفاع سعرها الذي وصل إلى (3500) ريال للشهر الواحد!. إيجار يومي والحال لا يختلف مع السيدة "أم أيمن" التي أضطرت لدفع (3500) ريال ثمناً لأجرة عاملة منزلية ولشهر واحد فقط، وقالت: تختلف أسعار الخادمات بين فترة وأخرى، وخاصةً عند من يقمن بإيوائهن، فالخادمة التي تجيد الطبخ تختلف عن تلك التي تدير أعمالها المنزلية فقط، وقد تراوح أسعارهن بين (3000) و (4000) ريال، إلى جانب أن البعض ممن يؤجر نفسها يومياً وبنظام الساعات، قد تصل أسعاره إلى 30 ريالاً للساعة الواحدة، مشيرةً إلى أنه بسبب استغناء بعض الأسر عن الخادمات المنزليات لغلاء أسعارهن، قد تزيد المشاكل داخل نطاق المنزل، خاصةً بين البنات في غسل الأطباق مثلاً، أو ترتيب وتهيئة المنزل، لكون بعض منهن لم تتهيأ للأعمال المنزلية. تسلية وترفيه وقالت الأستاذة "خيرية الزبن" - أخصائية خدمة المجتمع بجامعة حائل: إن المشاجرات والخلافات بين الفتيات حول أعمال المنزل قد تتنامى، خاصةً مع عدم وجود خادمات منزليات، نظراً لتزايد الأطباق المستخدمة في المطبخ، مضيفةً: "أرى أن الحل الوحيد لمثل تلك المشاكل هو عمل مقارنة سهلة وسريعة بين الأخوات، كلاً فيما تم إنجازه"، ذاكرةً أن ظاهرة الشجار بين الأخوات ظاهرة طبيعية لابد أن تحدث في كل منزل، وهي ليست شراً بل العكس صحيح، فأغلبها يكون تسلية وترويحاً عن النفس من كبت أوغيره. ليست مشكلة وأوضحت "خيرية الزبن" أن الأم ليست أمام مشكلة معقدة تستدعي التوتر الدائم كما تفعله بعض الأمهات، فالأمر أبسط من ذلك بكثير، مؤكدةً أن هذه الظاهرة تُعد كأي ظاهرة لها سلبياتها وايجابياتها، ذاكرةً أن الغضب والإنفعال بين الأخوات خاصة أوقات العمل المنزلية أمر طبيعي جداًّ، ويمكن تداركه دون تضخيم الأمور، محذرةً من تشغيل العاملات الهاربات واستخدامهن قبل تنازل كفلائهن عنهن، أو الإبلاغ عنهن فورا.