أول رحلة زرت فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية كانت قبل 35عاما وبالتحديد سنة 1978م . من شارع عسيربالرياض إلى سمامش ليك بسياتل أقصى الشمال الغربي لأمريكا. من القناة الأولى الوحيدة بالتلفزيون السعودي إلى عشرات القنوات عن طريق الكيبل هُناك. من إذاعة هُنا الرياض إلى سلّة متنوعة من الإذاعات المحليّة (F.M) في أمريكا. كانت المُدهشات بالنسبة لي كثيرة إنما كإعلامي يُقدّم حينها البرنامج التلفزيوني التوجيهي ( العيون الساهرة) شدّتني إذاعات الإف إم المتنوعة. أثناء الرحلة الصباحيّة كل يوم للمعهد من مقر السكن في ضاحية (بلفيو) وحتى وسط مدينة سياتل كنت استمع عبر راديو السيارة للبرامج خفيفة الظل وكذا مقطوعات الموسيقى إنما الأهم كانت تلك التنويهات عن حالة الطرق وما يقع عليها من حوادث أو اختناقات سير وكذا أحوال الطقس المتكررة يقولها المذيع بكل اختصار مع تعليقات طريفة أو ساخرة مما يجعل الرحلة بالسيارة أمرا ممتعا. كل هذا التداعي استجلبتهُ هُنا من ذاكرة وَهَنَتْ بفعل الزمن وسبب هذا الاستدعاء صدمتي بما يُسمى إذاعات (إف إم) لدينا هنا في بلادنا. يبدو أن الجماعة فاهمين الموضوع خطأ من الأصل، وإلاّ ما معنى هذا التسطيح لعقول الشباب وهم أكثر من يتابع تلك المحطات الهزيلة. كيف نلوم سطحية تفكير شاباتنا وشبابنا وجُلّ برامج تلك الإذاعات أسئلة على شاكلة: شنو ريوقكم (إفطاركم) هذا الصباح؟ كل واحد يقولنا شنو أكل اليوم على الأرقام التالية وتسرد المذيعة بكل تغنّج وميوعة أرقام تلفوناتهم الهوائية والأرضية وأرقام ال(SMS) ولم يبقَ إلاّ أن تقول المذيعة للمتلقي اركب الطائرة وتعال لدينا وكل هذا بالطبع على حسابك الشخصي..!! هذا أمر ، أما الأمر الآخر فهو تلك الاختيارات الغريبة للأغاني التي أقل ما يُقال عنها بأنها تافهة. سمعتُ أُغنية تتكرر من إحدى المحطات حديثة النشأة يزعق فيها المُغنّي بصوته النشاز بكلمات سخيفة بالفعل تقول " لو تتركيني بانتحر " أي والله هكذا هي كلمات الأغنية. ماذا يعني حينما يسمع مثل هذا الكلام مراهق لم تنضج مشاعره بعد؟؟ أليس هذا مما يُسمى ب" تهييج العواطف " ومن سيُحاسب لو بالفعل انتحر مراهق بسبب تأثره بالأغنية بعد أن هجرته صديقته أو محبوبته أو سمّوها ما شئتم؟؟ لن أضع نفسي مكان الواعظ لكنني أكاد أجزم بأن من يُدير هذه المحطات يعرف تمام المعرفة أثر تلك الوسائل الاتصالية على المتلقي، مفاهيمه، وذائقته، وحتى سلوكه ورؤيتهِ للحياة لهذا كم تمنيت ألاّ يطغى هاجس الربح المادي على حساب تدمير الأخلاق و تسطيح عقول ومفاهيم مستقبل الأمة شاباتنا وشبابنا. للكاتب : عبدالله الكعيد نقلا عن صحيفة الرياض