عقدة ال VIP؟ صحيفة إعلانات كنت اقلب صفحات المبوبة، فوجدت دعاية لصالون نسائي بدا واضحا أنه متواضع جدا – سواء من حيث احداثيات موقعه الجغرافي، أو من حيث بدائية خدماته التجميلية، أو من حيث ركاكة و ابتذال لغة إعلانه – (يعني بالعربي صالون على قد الحال). مثار السخرية في الأمر هو أن هذا الصالون ادعى أنه يقدم خدمة ال \"VIP\". وراح الإعلان يعدد مميزات اشتراك ال VIP، و يعد بأضخم التخفيضات، و يتعهد بأجمل المفاجآت. قلت في نفسي: \"الله يرحم الحال، منه الVIP اللي بيوطوط في حارتكم أصلاً\". باص البؤساء و في مرة كنت أقود سيارتي، فمررت بباص مكلكعٍ، مهكعٍ، متعتع؛ كابدت جنباته أنواع الطعجات، و حكّت بويته صنوف السحجات، وشخر شكمانه بألوان الدخانات...شعرت بأسف وأسى على حال راكبيه، و آلمني ما هم فيه من بؤس و ضيق ذات يد و شقاء ...بالكاد لمحت في ثنايا بقايا الصبغة المتهالكة كلمة كتبت بالخط العريض، إنها الكلمة الساحرة: \"VIP\"، فقلت في نفسي: \"إيه هين!! في أحلامكم السعيدة يركب VIP\". نادي عيال الذوات ذهبت مع صديق للاشتراك في صالة رياضية، وعندما ولجنا، أبهرنا فخامة الأثاث، و روعة التصميم، و بهاء الإضاآت. استقبلنا المشرف و أخذنا في جولة حول الصالة.. أراعنا ما فيها من اسباب الترف بالساونا، و وسائل البذخ بالحمامات المغربية، و عجائب التقنية في الأجهزة الرياضية، و بدع الرفاهية بالحلويات و المشروبات و\"التشيزكيكات\" (كأنهم يبون اللي يتمرن يتعب وهو مرتاح!). و بعد طول شرح – عن المزايا – أعيانا، و جم تفصيل - عن الخدمات – أضنانا، بدأ المشرف أخيرا بالحديث عن الأسعار، وليته ما بدأ. صحيحٌ أننا لم نشعر بأننا في صالة رياضية، بل في منتجع دولي، ولكن الأسعار التي ذكرها المشرف كانت كونية. ليس هذا فحسب، بل زاد المشرف متشدقاً: \"طبعاً هذا سعر الاشتراك العادي، بس حنا عندنا اشتراك سبيشل لل VIP\"، وانطلق يعدد مزايا اشتراك الVIP؛ استوقفته بغتة قائلا: \"لحظه، لحظه، انتم اشتراككم العادي يالله الVIP ياخذ تسهيلات بنكيه علشان يدفعه، وتجي تقولي اشتراك VIP!!\". ظاهرة هذه الظاهرة التجارية الصفيقة المقيتة أيها السادة، لا تعدو كونها استغلالا دنيئا لنقطة ضعف يعاني منها مجتمعنا، و لنصطلح على تسميتها ب\"عقدة الVIP\". عقدة الVIP هذه التي تراها مستشرية في اشتراكات المحلات، ومستفحلة في حجوزات الفنادق، و متمكنة من لوحات السيارت، و متفاقمة في أرقام المحمولات، هذه العقدة، لم تحج التجار الى نظارات حتى يتسنى لهم رؤيتها و استغلالها عند الغني و الفقير على حد سواء. أسباب و مسببات و سببيات أسباب هذه الظاهرة قد تتعدد؛ فمنها على سبيل المثال وجود طبقة مخملية من \"إححم إحححم ..طويلين العمر\" تفتح في وجوههم الأبواب الموصدة، وتذلل في طريقهم العقبات الكؤودة، وتتحور في سبيلهم الأنظمة المعلنة. فمن يلوم شعبا يرى أحوال هذه الفئة أن يواصل أحلام الليل بأحلام النهار في أن يصبح VIP، حتى وإن كان الثمن رقما مميزا بخمسين ألف، خمسة و عشرون منها سلف من ولد العم عماد و خمسة وعشرون تسهيلات من بنك البلاد!!! وقد يكون السبب هو أن المجتمعات المتخلفة على الصعيد العلمي و الصعيد العملي (مثل مجتمعنا على فكرة!) لا يجد أفرادها سبيلا لتحقيق الذات و إشباع توق النفس لنيل إشارات البنان إلا بمقولة: \"والله حجزنا جناح الVIP في الانتر، و كنافتنا جايه طلب سبيشل من مطبخ فشخر\"؛ حتى وإن كان آخر الشهر، كل ما يسمعه المتصل علينا هو: \"عفوا إن الرقم الذي طلبته...\"، ولا فخر. سعد العواد