رواية حليمة الجوف (1) يتحجج أصحاب القنوات الفضائية أنهم في خدمة المُشاهِد منه وله، وأنهم أساور في معاصمهم، وخواتم في خناصرهم، فإن رفض مُشاهِدُنا مَشاهدَنا فسنعمل على إيجاد البدائل له. فالمسلسلات شبه الإباحية التي تلفظها أجواف الثقافات المبتذلة، -في الواقع- هي مستطابة للمُشاهد العربي، وإن ادّعى المثالية، فأخذ فاصلاً من فلسفةٍ وتشدّق عميقين في التنظير والاستدلال لمثاليته المزعومة. تجده فاغرًا فاه فورَ بدء المسلسل؛ ليتلذذ متشرِّبًا ثقافة (الجنس للجنس)، ثم يسافر إلى تلك الثقافة صيفًا؛ للبحث عن الممثلة التي ضحكت على جهله ساعة ثمالته، وحينما يُسأل عن تلك المسلسلات يأتيك بالأدلة الشرعية المناهضة لمسلسله المفضّل!. (2) ما حصل في الجوف أنّ المتلقي رفض العرض ظاهرًا وباطنًا؛ لأسباب لست أدري لماذا سُكت عن حقائقِها أو لم يُبحث عنها حتى الآن؟!. إنّ الأستاذ: إبراهيم الحميد لم يكن موفّقًا في توقيت دعوته للأستاذة حليمة مظفّر، فكان الأمر متاحًا لشواعر ومبدعاتٍ مناسبات؛ لتحقيق توافق المعروض والمطلوب، وتحقيق أهداف النادي التي تسعى لتطوير المنطقة ثقافيًا وأدبيًا، وأذكر على سبيل المثال: عبير الحمد، حنان الرويلي، ملاك الخالدي. ولعل من أولويات هذا التطوير الاهتمامَ بأدباء وأديبات المنطقة، والسعي لدعمهم بإثراء الأنشطة الثقافية فيما بينهم، على أنّ استضافة المثقفين والمثقفات من خارج المنطقة؛ أمرٌ إيجابي لتعزيز التواصل الثقافي بين المشارب الأدبية. ومع ذلك يُحمد للحميد الخطوات التطويرية التي عملها في النادي بعدما ظلّ ضحيةَ الخلافات الإدارية، فكان قابعًا في المركز الأخير لقائمة أندية الثقافة، ولعلي أتذكر أنّ الأنشطة غير المنهجية في المدارس أكثر فائدةً وأشدّ تأثيرًا في مجتمع المنطقة من النادي كثانوية الجزيرة والأمير عبدالإله وأبي عبيدة!. (3) الأستاذة حليمة لم تكن (حليمة)، (ولم تكن في يومها) كما يُعبِّر الرياضيون. قُبيل مجيئها للجوف سلّت سيوفًا من محابر للخوض في مسائل الحلال والحرام، (كالموسيقى، والرياضة النسائية (الاحترافية-المِهنية)، وإيقاف العمل للصلاة)، وهذه المسائل تجد اعتراضًا من خاصّة الخاصّة، فما تظنون بالعوام؟!. تقول الأستاذة حليمة في مطلع مقالتها : \" أكتب مقالي، وأنا أستمتع بالسماع لموسيقى جميلة لمؤلف موسيقي أمريكي...\" وتعيد الجملة في ختام مقالةٍ أخرى: \" أنهيت المقال، وسأعود الآن للاستمتاع بموسيقى \" First Touch\"، وبعض ذكريات عازفة الأورج الفاشلة\"!. ا.ه بغضّ النظر عن عمق المطروح وسذاجته، ما الفائدة التي سيجنيها القارئ من استماع الكاتب لمقطوعة موسيقية (بمواصفاتها)، إلا إذا كانت من قبيل الاستثارة واستفزاز المُخالف؟!. (4) بُعيد أحداث الجوف (الدرامية) وقف مجموعةٌ من الكتّاب باتهامات متطرفة للقلّة المتطرفة، فحاكموا القضيّة بعاطفةٍ ثائرةٍ تأثّريّة، فمنهم من اتهم وزارة التربية والتعليم وبعض موظفيها بإذكاء التطرف اليميني، وكأنّ المناهج في الجوف تأتي من (طالبان)، وليست كمناهج المناطق الأخرى؟!. وآخرون أعادوا العزف على أوتار المرأة ليُلبسوها كساء الضحيّة في مسرح الثقافة السعودية، على الرغم من أن النادي الأدبي قد أقام بعض الفعاليات النسائية في السابق، ولم يُبدِ أحدٌ اعتراضه على ذلك. ينبغي أن تُعالج القضية وفق موضوعيةٍ حياديّة لا تقبل الانحياز لآراء متطرّفةٍ ذات اليمين وذات الشمال. فهلاّ سألتم: لماذا مع (حليمة) ترفضون؟ ومع (حنان) قبلتم؟ أللقبائلية علاقة؟ أم للمنهج والفكرة؟ أم للمناطقية؟ من المعترضون؟ وعلى رأي من استندوا في اعتراضهم؟. أهذا أجدى للوصول إلى تفسير القضية، وافتراض حلول لها أم التراشق الإعلامي على طريقة كتّاب الأندية الرياضية؟! (5) من يتهم الجوف بالتطرف والجهل قد حُرم من زيارتها، ومن مصافحة أفكار أهلها. من المؤكّد أنه لا يعرف الطالب: أحمد بن حمد المحمد الذي أبهر أكاديميي الخليج في مؤتمر جامعة الشارقة بالإمارات، وحاز على جائزة البحث المتميز الذي قدّمه باسم الوطن، وجامعة الجوف. (أحمد) لم يجد وقفة تكريم أو ابتسامة احتفاء من أي جهة إعلامية، ليصطف بجانب المبدعين المسكوت عنهم؛ لأنه لم يكن لاعبًا لكرة يدحرجها بقدميه، ولم يكن (كارثةً) دسمة لسبقٍ إعلامي!. عطف بيان: قال تعالى: \"وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم\" (البقرة: 216). لو لم يكن للجوف من تلك الأحداث إلا قول الرئيس الذهبي للنادي الأدبي الأستاذ: إبراهيم الحميد لكفاها. يقول: \"غياب التنمية الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والبلدية، وعدم وجود حدائق ولا أسواق كبرى ولا شركات، وعدم وجود جامعة إلا قبل عامين ساهمت في تأخر الجوف\". ا.ه. ما أدراكم! قد تكون القضيةُ مسرحيةً من تأليف المبدع إبراهيم الحميد، وأبطالُها: (جماعة الصدع بحقوق الجوف). وأنا أول من صفّق لها!. إخراج: (الجوف حلوة)!. أحمد بن سعد المطيري عضو الجمعية العلمية السعودية للغة العربية [email protected]