الحديث عن السجون حديث ذو حساسية خاصة سواء من عامة الناس أو حتى من الإعلاميين لكثرة كتاباتهم عن المشكلات وتأثيرهم على الرأي العام. وفي الواقع أجد نفسي مندهشاً ولا أجد سبباً لذلك فالبعض يزعم أن ذلك سببه ضعف وتراجع دور السجون تجاه النزلاء وعدم قدرتها على تبديل ثقافة المجتمع تجاه السجين بعد انقضاء فترة محكوميته وخروجه لمواجهة الحياة ، والبعض الآخر يرى غياب الدور الإعلامي في خدمة المجتمع لفئة السجناء بل ذهب البعض إلى ضعف لجان السجناء من القطاع الخاص في تنمية وتدريب وتأهيل النزلاء لمواجهة أعباء الحياة بعد خروجهم من السجون ، كما أن البعض يتصور انهم لا يخضعون لأنظمة حقوق الانسان ! وبعيداً عن التوهمات والتصورات أذكر حقيقة هامة فمنذ صدور قرار سمو النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية في عام 1421ه فصل السجون لتصبح قطاعاً مستقلاً مرتبطاً بسمو مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية وتسميتها بالمديرية العامة للسجون وهي تخطو بثبات خطوات تطويرية مستمرة وفق خطط طموحة من تأمين الإرشاد والتوعية ومحو الأمية والبيئة الصحية النظيفة ودراسة الظروف الاجتماعية للنزلاء التي أودت بهم إلى هذا المصير والاتجاه إلى تدريبهم مهنياً لإيجاد فرصة عمل شريف لهم بعد انقضاء محكومياتهم بعمل ممنهج متنامٍ في تحويل السجون إلى إصلاحيات وتحويل السجين من عاجز إلى منجز نافع لنفسه وأسرته ومجتمعه. وحاشى لله أن نداهن أحداً أو أية جهة على حساب أقلامنا وليس هنالك مجال يدعونا لذكر أسماء شخصيات إلا من كانوا نماذج مضيئة لا ينكر دورها القاصي والداني. ورغم لقائي بالأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز مرات عديدة في مناسبات وطنية وإعلامية إلا أن إعجابي به يتزايد كمتابع إعلامي فالرجل يحلق في عنان سماء الإنجازات المذهلة من حيث بتر أصابع الإرهابيين وعودة الضالين عبر لجان المناصحة وتطوير الأجهزة الأمنية من خلال فكر منظم وعقلية مرتبة وقلب ينبض حباً وامتناناً لدينه ثم مليكه ووطنه وهو من أولئك الرجال الذين يعملون ليل نهار ويتمتع بشخصية وطنية تعد أملاً للشباب السعودي ورمزاً مضيئاً لهم. كذلك سعادة مدير عام السجون اللواء الدكتور علي بن حسين الحارثي الذي يتميز بعقلية طموحة إستراتيجية ومشهود له بإحداث نقلة تاريخية في أداء السجون لأن قراراته دائماً صائبة ومحققة الهدف وأن الإنجازات التي أوجدها تتحدث عن نفسها. اللواء الحارثي معروف عنه ومن عمله المتميز القيادي المتابعة والحزم والانضباطية في كل أعماله فهو يمنح كل ناجح وصاحب أداء متميز التقدير المناسب ويسعى بالخطط والمشروعات لتكامل خدمات السجون التعليمية والترفيهية والرياضية وتعميم الأسس التدريبية المهنية لنزلاء السجون في جميع مناطق المملكة. وفي سياق متابعتي للسجون وأروقتها تفاجأت بمنتجات نزلاء سجون جدة ومركز الحرف اليدوية داخل سجن بريمان الذي ينم عن الإبداع والتميز والفخر بمستواه المبهر الذي يقترب من العالمية وحقيقة فإن هذا المركز يعمل دونما ضجيج أو إعلام أو حتى حديث صحفي هنا أو هناك وأن المشرف عليه الفنان العالمي عبدالحافظ بن جماح الغامدي يبذل جهوداً جبارة في تعليم وتدريب النزلاء وتحويلهم من عاجزين إلى مبدعين ومنتجين لأجمل وأرقى التحف الخشبية والمعدنية والزجاجية والمجسمات واللوحات الفنية الرملية والنحتية والصور النحتيه بالرمل لملوك هذا الوطن واللوحات الأثرية والزخرفية والعملات التاريخية التي يتم تصميمها وتنفيذها بمركز الحرف كأحد إسهامات المديرية العامة للسجون لتشجيع المعرفة الفنية والحرفية للنزلاء بالقضاء على أوقات الفراغ وتأمين مستقبلهم وإمداد المجتمع بمستوى الإبداع الفني والحرفي من قبل السجناء. عبدالحافظ الغامدي تخصص في أعمال الديكور وتنفيذ الأعمال الزخرفية والفنية واشتهر بالأعمال الرومانية والكلاسيكية والانتيك التي تجمع بين عراقة الماضي وعبق الحاضر ولديه مشروعات هامة قادمة تحت التنفيذ التي بحاجة لدعم المسئولين وقطاع الأعمال السعودي من رجال الأعمال وسيدات الأعمال وتفعيل المشاركة الفعالة في خدمة المجتمع لتتحول فكرة مركز الحرف اليدوية بسجون جدة لمصانع ومعامل داخل السجون في جميع مناطق المملكة بعد تحويلها لإصلاحيات ذات مواصفات تنافسية عالمية وبالتالي تصبح منتجات السجون مصدرة للدول الأخرى وليس في أسواق المملكة فقط. الأمر أصبح في أشد الحاجة ويحتاج لوقفة صادقة من القطاع الخاص لتمويل المشاريع الاجتماعية لأنه من المستحيل أن تنفق الدولة فقط من أجل دعم وتطوير كافة القطاعات لابد من الدعم لاستمرارية هذه الأعمال الإبداعية البارزة وهي دعوة مفتوحة لزيارة سجون بريمان لمشاهدة تلك المواهب المذهلة ! ودون أن نختلف فإن مسيرة مثل هذه المراكز الحرفية تظل متعثرة وكسيحة إذا لم تحظ بالرعاية المالية والمساندة من الشركات الكبرى حتى لا تندثر داخل أسوار السجون. إن مشروعات إبداعية كالساحة التذكارية لشهداء الواجب بطول (100) متر بطريق الملك عبدالعزيز بمدينة جدة والسيف الأجرب للإمام تركي ولوحة تاريخ وطن التي يزيد طولها على (300) متر بكورنيش العروس والتي تعبر عن تاريخ حضارة المملكة منذ عهد الملك عبدالعزيز وحتى عهد تاريخ خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ومشروعي مركزي الشباب والفتيات للحرف اليدوية وغيرها من مشروعات بحاجة إلى الرعاية والتمويل كي تنفذ على أرض الواقع. ورغم أنني لست مفوضاً من أحد فأنا أحمل أسئلتي للمعنيين بالأمر وهي الأسئلة التي تبرز على عقولنا ومنها : - لماذا لا نتعلم من الدول المتقدمة بقطاعها الخاص لدعم المشاريع االحيوية لمستقبل أبناء الوطن الذين تعرضوا لظروف الحياة فأصبحوا قابعين داخل السجون ؟. متى نعرف قيمة المنتجات الوطنية الإبداعية والعمل على ترويجها كالدول الأخرى التي تصدر لنا منتجات سجونها الفاخرة ونبتهج بها ونستعملها دون معرفة مصادرها ؟. متى يتم تدريب وتعليم السجينات من النساء والفتيات أسوة بالسجناء من الرجال في سجوننا وتحويلهن من عاجزات إلى مبدعات كي تجد السجينة فرصة الحصول على الوظيفة أيضاً ؟. متى يتحقق ذلك حتى تصبح جميع سجوننا إصلاحيات ذات تنافسية عالمية ونصدّر منتجاتها للخارج ؟. كليك أخير : لقد أسعدني الحظ بزيارة سجون بريمان بجدة لكي أشاهد تلك الحرف التي لا تستمر إلا بالدعم والرعاية والتعلم وذلك أن وقوف قطاع الأعمال مع أجهزة الدولة ضرورة ملحة لدعم مثل هذه المشاريع الإنسانية الخيرية التي لا يعلم أجرها إلا الله. ألا فلنتق الله في الوطن وأبنائه وبناته. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (العلم بالتعلم.. والحلم بالتحلم).