لم أتفاعل في البداية مع أمطار الأربعاء الماضي بجدة لانها هطلت وأنا مشغول بالعيادة أضع لمساتي الأخيرة على الجزء الرابع من موسوعتي الطبية التبصرة في علم البصر والتي ألفتها باللغة العربية وعندما استمر هطول المطر لأربع ساعات متواصلة أحسست بخطورة الوضع لكنني لم اتعجل دوامي بل صليت الظهر كعادتي ثم انطلقت بالسيارة نحو البيت ولكن ما ان بدأ المشوار حتى وصلني اتصال بأن الطريق أمامي مسدود وخطر فعدت ادراجي نحو العيادة وأكملت مراجعة الكتاب وتصحيحه وقضيت باقي يومي مسجوناً في المكتب والعيادة ثم عضنا الجوع بنابه فطلبنا الغداء من المطعم المجاور فجاءنا الرز البخاري حاراً والدجاج مشوياً والمياه الغازية باردة فشبعنا وروينا وحمدنا الله وشكرناه ثم انطلقت بعد صلاة العصر للتمشية مشياً على الاقدام لاستمتع بالجو الغائم ولاستنشق رائحة العشب والأرض المبللة بالمطر ثم افترشت سجادة على الطريق وقعدت اتأمل الناس والسيارات وتبرع أحد الجيران بالقهوة والتمر فكانت جلسة لطيفة لم ينغصها الا انعدام قدوم المرضى والمراجعين وقد حاولت بعد صلاة العشاء الذهاب للبيت لكنني ما ان تجاوزت الجامعة حتى انسد طريقي بالسيارات المعطلة والمياه الراكدة فعدت ادراجي على الفور وقررت قضاء الليلة بمنزل أخي القريب من الجامعة وقد قام أخي بواجب الضيافة لكل من قصده من المضطرين وكان منهم أقارب وجيران يحبون الشعر والأدب فتناولنا معهم عشاء فاخراً ثم سهرنا بعد العشاء نتطارح النوادر والاشعار ونسينا السيل والمطر وطال بنا السهر حتى منتصف الليل ثم قررنا المبيت والعودة لبيوتنا بعد صلاة الفجر وقد شكرت الله لعدم اكمال مغامرة الليلة السابقة في العودة للبيت لاني وجدت السيارات المعطلة تسد الطرقات وتملأ كل بقعة تقع عليها العين وكان المنظر مخيفاً ومحزناً الا ان اضرار الطريق انحصرت لحسن الحظ بين الجامعة وشارع فلسطين أما بقية طريقي لشمال جدة فكان عادياً وجافاً وعاد الناس في الصباح إلى أعمالهم العادية وانتشر عمال المقاولات بشارع الاربعين يتصيدون زبائنهم وارتصت الصحف على واجهة البقالات وانتصبت جرار الفول عالية والتهبت الافران بالتميس وعبقت رائحته الطريق فلم استطع المقاومة فتوقفت بالسيارة فوراً واشتريت حاجتي من الفول والتميس ولما وصلت البيت وجدت العائلة تنتظرني بلهفة وقلق وقد حسبوني غرقت في السيل فلما دخلت عليهم بالفول والتميس شهقوا من الفرح ثم قالوا وكمان جايب فول وتميس فقلت لهم دول هما اللي عوموني في السيل وذكرت لهم قصة العبارة المصرية المنكوبة سالم اكسبرس حين وصل بعض الناجين منها لميناء السويس فاستقبلهم محافظ السويس واندهش لكون احدهم يتأبط تلفزيوناً فقال له المحافظ وكمان جايب معاك تلفزيون فأجاب الرجل دا هو اللي كان معومني في البحر يابيه.