لو خُلَّقَتْ كطُيوفٍ كُلُّها البَشَرُ كالحُلمِ تألفُهُ الأرواحُ والبَصَرُ شَفَّافَةٌ كالسَّنَا تَنْسَابُ وآدِعَةً مِثلَ الهواءِ ومِثَلَ السُّحْبِ تَنتَشِرُ تَطُوفُ في الكَونِ بالآمالِ تَذْرَعُهُ تَطِيرُ كالطَّيرِ في الأمْدَاءِ تنبهِرُ لا أكْلَ لا مَاءَ بل أقواتُها نِسَمٌ وما تغشَّاهُموا نَومٌ ولا ضَجَرُ ما فِطْرَةُ الزوجِ والأزواجِ فطرتُهُم بل هُمْ طُيوفٌ فلا أُنْثَى ولا ذَكَرُ كلٌّ يَعيشُ بما يُغنِيهِ مُنْفَرِدَاً لا قُرْبَ يَجْمَعُ أو يُدنِي به وطَرُ وكلُّ طَيفٍ يرى حَقَّاً مَقَادِرُهُ والأمرُ للهِ من في كَونِه القَدَرُ يأوِي إلى رَوضَةٍ جَذْلَى تُظَلِّلُهُ يَستافُ من عِطرِهَا الأوراَدُ والزَّهرُ يَشُوقُهُ الماءُ والأنهارُ جاريةٌ بينَ الضِّفَافِ وفيها يَبْسِمُ الشَّجرُ يَهِيمُ سَعداً وحُبَّاً في مباهِجِهِ ويرتوي من نداها القَلبُ والنَّظرُ لم يَعرفُوا الليلَ والظَّلماءَ بل عَرَفُوا أحلى الصَّباحَاتِ فيها الغَيمُ والمَطَرُ قد صَاحَبُوا الطَّيرَ تُشجيهِمْ بلابلُهُ بصوتِها العذبِ حاكى رَجْعَهُ البشرُ لا همَّ تَلقَاهُ لا غمٌّ يُكَدِّرُها إلاَّ سَلاَمَاً وأفراحاً لها أثَرُ والطِّيبُ والحُبُّ والآمالُ فِطرتُهُمْ لا فِطْرَةُ الكُرهِ والعُدْوانِ مَا فُطِرِوا كلٌّ له في مدارِ الأرضِ مأمَلُهُ وكلُّهُمْ قَانِعٌ لا طَامِعٌ أشِرُ تَجنِي الخلائقُ في الدُّنيا مَكارِمَهَا يُثيرُها السِّحْرُ والأضواءُ والصُّوَرُ تُسَبِّحُ اللهَ بالإيمانِ تعْبُدُهُ وتُكثِرُ الشُّكرَ والبُشْرَى لمن شَكَرُوا ما أعطبَ الغِلُّ والأحقَادُ أنْفُسَها وليسَ من حَسَدِ الحُسَّاد تَحتَذِرُ تَرى وتَسْمَعُ لا زيفاً ولا هَذَراً فإنَّ داءَ البَرايا الزَّيفُ والهَذَرُ فلا الإساءةُ تَجثُو في عَوالِمهِا سوى المحاسِنِ بالأخلاقِ تَنْبَذَرُ على العَفَافِ تهادت نحو غايتِهَا وبالمُرُوَءةِ والإحسَانِ تَقتَدِرُ لو تَنعمُ الأرضُ يوماً بالتُّقاتِ لما أصابَها الذُّلُّ والوَيلاتُ والغِيَرُ لكِنَّها من فُسوقِ الخَلقِ قد مُلِئَتْ وكُلُّ خيرٍ تَراءى غَالَهُ الضَّرَرُ أغرى الخلائِقَ ما أغرى أوائِلهَمْ واستحكمَ الزَّيفُ والأيامُ تأتَمِرُ كم مَن يُبَرِّرُ للعِلاَّتِ عِلَّتَها ومن يُسايرُ مَجْبُولاً ويَعتَذِرُ وكُلُّهمْ غَارِقٌ يَرجوا النَّجاةَ وما دَرْبُ النَّجاةِ يَسِيرٌ إنّهُ عَسِرُ وما الخَلاصُ إذا ما أخْلصَتْ أُمَمٌ لِرَبِهَا وتَنَادَى الحَقُّ والظَّفَرُ إذا تَخَلَّوا عن الدُّنيا ولذَّتِها وقَاومُوا الجَهْلَ فالآمالُ تَنْتَصِرُ وإن تَمَادَوا فإنَّ النَّارَ مُوقَدَةٌ وسوف تَحْرِقُ لا تُبقِي ولا تَذَرُ ألوقْرُ أصْمَاهُمُوا دَومَاً وما أكْتَرَثُوا وكيفَ يَسمَعُ من أغواهُمُ الغَرَرُ والله يَشهدُ كم قالَ النَّصِيحُ لهم ثُوبُوا فوَلَّوا وقد حَلَّتْ لَهُمْ سَقَرُ