بدأت قوافل الحجيج تتوافد إلى مكةالمكرمة وما هي إلا أسبوع أو أسبوعان حتى تمتلىء مكة بملايين من الحجاج والمقيمين. وأتساءل كلما رأيت هذه الأعداد الهائلة من البشر كيف تستوعبهم عمائر مكة وبيوتها ومكة ثلاثة أرباعها جبال والربع الباقي تتقاسمه الطرق والمستشفيات والمباني الحكومية والمساكن الخاصة والعامة ؟. وأمانة مكة مصممة على نظام للمباني لا يتناسب مطلقاً مع الواقع ولا على احتياجات المستقبل فالسكن في مكة أصبح شحيحا وماتوفر منه ارتفعت أسعاره بشكل كبير والطلب على السكن من أهالي مكة ومن وكلاء الحجاج في ارتفاع مستمر ولقد رأينا كيف تحولت مناطق سكنية مكاوية عريقة الى مناطق لإسكان الحجاج خذ مثلا حي العزيزية السكني الواسع فقد تحولت أغلب مبانيه الى مساكن مخصصة للحجاج ولازال اسكان الحجاج والمعتمرين يزحف زحفا متواصلا على المباني القريبة والبعيدة من الحرم ويلاقي ترحيبا لان الدفع مرتفع ومضمون. ومن الواجب أن نبدأ فورا بتنفيذ خطط الاسكان البعيدة المدى فمكة التي نعرفها حاليا ستتحول كلها في نظري خلال خمسين سنة الى منطقة اسكان للحجاج ولاننسى ان أعداد الحجاج القادمين تتناسب طرديا مع الحالة الاقتصادية لبلدانهم وستصبح كثير من البلاد الإسلامية الآسيوية خلال الخمسين سنة القادمة كيانات صناعية كبرى كما سيؤدي استقرار الدول الافريقية في المستقبل الى تحولها الى اقتصاديات زراعية ورعوية عظيمة توفر الغذاء للعالم كله بل ربما تكون مصدرا للوقود الحيوي الذي بدأ العالم يتحدث عنه مما سيوفر لهذه البلدان الاسلامية ثروات ضخمة ستنعكس ايجابا على أعداد حجاجها ومعتمريها. واذا أضفنا لذلك ثورة الاتصالات ومشاهدة المسلمين حول العالم للحرمين الشريفين مباشرة طوال الليل والنهار فلا غرابة أن نرى ارتفاعا سنويا عظيما في أعداد الحجاج والمعتمرين ودخلا لبلدنا بالمستقبل يفوق دخل البترول كما يتوقع ذلك الاقتصاديون. لهذا لا بد أن نعد العدة للمستقبل ومكة في نظري ليست بيئة للعمائر القصيرة والفلل الصغيرة بل لابد ان تكون كلها مدينة للأبراج السكنية من حي التخصصي الى حي الشوقية بل انني اعتقد ان المناطق القريبة حاليا من الحرم والمزحومة دائما بالسيارات والمركبات لابد ان تكون مناطق مشاة فقط مع وجود سيارات كهربائية تجر مقطورات مفتوحة لنقل الناس بينها وبين ساحات الحرم وعلى المهندسين المدنيين والمخططين المعماريين ان يبدأوا باختيار مناطق بعيدة عن مكة الحالية لتكون ضواحي سكنية يسكنها اهالي مكة بعد نصف قرن أو أكثر وينتقلون بينها وبين مكة القديمة بالقطارات أو بوسائل نقل المستقبل التي لايمكن ان نتخيلها اليوم. ثم فكرة تخيلتها وأنا عائد من العمرة بالليل وهي ماذا لو سلطنا الكشافات الملونة على بعض الجبال المظلمة المحيطة بالطريق السريع لاشك انها ستكون لوحة ليلية رائعة واعتذر في الختام لانني من اهل جدة وأهل مكة أدرى بشعابها.