أن تكون صاحب كلمة يعني أن يكون لك صوت مسموع, ورأي مشهود, وقلم يحاكي واقعاً , وفكرا نيرا يناقش الحقائق , ولا يأتي ذلك إلا بثوابت وبراهين واضحة وليست واهية ؛ وبأسلوب موضوعي راقٍ دون انحياز , وهذا يعني أيضا أنه ينبغي أن تكون لكلمتك أثرها على الفرد والمجتمع , فتخاطب العقول وتثير الفضول وتصيغ ببلاغة وذكاء كل ما يؤرق الفكر ويشغل الخواطر والقلوب. فعندما تعتلي منبر الخطابة ؛ أو تمسك بقلم لتخط مقالة ؛ ينبغي أن تعلم جيدا انك تخاطب المئات بل الألوف من موضعك هذا , وان ما قد تقوله أو تكتبه سيؤثر عليك قبل أن يؤثر على كل من يقرأ لك أو يسمعك , لذا عليك أن تنتقي كلماتك ؛ وتوجه أفكارك , وتضع أهدافك ؛ وترسم خريطة حوارك , ذلك حتى تضمن أن يكون لقلمك أفضل معنى ولصوتك أجمل مغزى. ولعل أبلغ من يعلمنا أصول الكلام وبديع الإلقاء وفن التأثير والبيان هو المصطفى عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام , فقد امتازت كلمته بالبلاغة والأصالة والجزالة , وسرعة إيصال المضمون دون التفرع والتشعب في بواطن الأمور , وقد كان انتقاؤه للكلمات وتكراره على بعضها ووقوفه عند البعض الآخر دليلا كافيا على ضرورة ملازمة الكلمة والقول للفعل والتصرف ؛ حيث كان صلى الله عليه وسلم في موضع الخشوع يخشع , وفي موضع البكاء يبكي , وفي موضع السعادة يسعد , وفي موضع الحزن يحزن. وبهذا فهو خير من لازم قوله فعله , وخير من لازم قلبه عقله. و الكتابة ليست مهنة بقدر ما هي فن وإدارة وحكمة , فقلم الحال يكتب ويصف ويترجم ما يجول ويخوض فيه الفكر والقلب من مشاهد الواقع المختلف في كل مكان وزمان , وربما كان علينا أن نكون أكثر صدقا وتعبيرا عندما نكتب حتى يصل مرادنا كما أردنا , لذا نقول بأن القلم أمانة والكتاب هم أصحاب قول وفعل , كيف لا وهم يخاطبون بأقلامهم كل من يقرأ ويكتب , وهم من يسجلون التأريخ ويشهدون على أحداثه , وينقلون التراث من جيل إلى جيل ، ويعللون الأفعال ويوجهون الآراء , ويترجمون الأحلام والآمال للأفراد والأمم والمجتمعات. لذا يا أرباب الكلمة والقلم ليست القضية أن تشغل برأيك عموداً أو زاوية ما كل شهر أو كل أسبوع أو كل يوم بل القضية هو أن تطرح ما يثري العقول ويثير الفضول ويصلح الشأن ويدفع بالفرد والمجتمع إلى ما فيه الرقي والتقدم مع الحفاظ على العراقة والأصالة وعبق الماضي وأصول الشريعة الإسلامية الحنيفة. ويحضرني مقال مؤثر للشاعر والكاتب عبدالرحمن العشماوي يقول فيه : أقسم الله سبحانه وتعالى بالقلم لما له من أهمية كبرى وتأثير عظيم , والقلم كائن صغير الحجم خطير المكانة عظيم المنزلة تجري ريشته الأنيقة الرشيقة فتحول الساكن إلى متحرك والراكد إلى هائج مائج وتسكب السعادة في كؤوس قوم والشقاء في كؤوس آخرين. هذا القلم أمانة والأمانة عظيمة وحملها خطير ؛ فلا يصح لمسلم يخاف ربه أن يتلاعب به تلاعب الصبيان ويخط به كلمات الزور والبهتان ويسخره للاستهزاء ويجره إلى مهاوي الردى بالإساءة إلى الأنبياء والرسل والصالحين. وقفة لنرتقي : من جواهر الإمام الشافعي رحمه الله : إن الفقيه هو الفقيه بفعله ليس بنطقه ومقاله , وكذا الرئيس هو الرئيس بخلقه وليس بقومه ورجاله , وكذا الغني هو الغني بحاله وليس بملكه وبماله.