قال لي صديق انت رجل مشغول فكيف تشغل نفسك بالكتابة في الصحف فأجبته بان الطبيب يتعرض في عمله لضغوطات نفسية واحتقانات عصبية وان ملاذه وراحته انما هي في القراءة الادبية والكتابة الصحفية ولهذا فالكتابة بالنسبة لي متعة وهواية وهي ايضا عرض علني لخواطري وأفكاري وما يثير اهتمامي ودهشتي ولكنني لا أستطيع أن أكتب إلا في موضوع انفعلت به أو قضية أثارتني وفي ما عدا ذلك يكون قلمي مقيداً بسلاسل من الحديد لا أستطيع فكها ولا كسرها. ومع انني أكتب في بعض الأحيان في مواضيع عامة تهم الناس إلا انه من النادر ان أسمع رجع صدى لكلامي أو رداً على مقالاتي ولذلك تفسيران أولهما ان مقالاتي لا يقرأها أحد وثانيهما ان مواضيع مقالاتي لاتهم أحد وقد أصبح تجاهل القراء لكتابهم أمراً يثير القهر والحنق خصوصا في هذا الزمن الالكتروني الذي يستطيع فيه أي شخص في اي مكان بالعالم ان يقرأ كل الصحف مجاناً على الانترنت بل ويستطيع وهذا هو المدهش ان يعلق على المقال كتابيا في نفس الوقت بمعنى انه لا عذر لقارىء يعتذر به ولا بقاء لكاتب لايقرأ له. والمؤلم اننا نرى اهتمام الناس العظيم باللاعبين والفنانين فاذا اختفي لاعب أو فنان أو اعتزل أو اصيب بنزلة زكام او التواء في الكاحل أصبح حديث الناس وكتبت عنه الصحف والمجلات اياما وأسابيع خصوصا إذا كان من الجنس اللطيف. ولقد كتبت في جريدة المدينة قبل سنتين ولمدة ثمانية أشهر ثم أصابتنى حالة من الملل لم أستطع ان أقاومها فتوقفت تلقائيا عن الكتابة رغم انني كتبت مواضيع مهمة ومقالات متميزة ورغم ذلك لما غادرت المدينة لم يسأل عني أحد من قرائها وطبق القراء عليَّ حكم الفقهاء في من تموت حليلته حين يقولون له تلك الكلمة القاسية : استبدل الفراش وينسون ما كان بينه وبينها من المودة والرحمة والمحبة والعشق ولعشرات السنين ولعل قراء المدينة قالوا لرئيس التحرير بعد ذهابي : استبدل القلم. ولقد تعرضت لعقوق القراء قبل أسابيع عندما توفي والدي رحمه الله وكتبت عنه مقالة ب (الندوة) وتوقعت ان يعزينى بعض القراء لكنني لم أجد من يرسل لي كلمة عزاء واحدة رغم اني اجهدت نفسي طوال الأربعة أشهر الماضية بكتابة المقالات الاسبوعية التي ابذل فيها من وقتي وعقلي الكثير ودون مقابل الا محبة الكتابة واحترام القراء ولولا رسالة عزاء كريمة من الاستاذ احمد بايوسف رئيس التحرير المكلف فلربما دفعني هذا العقوق الى سن اليأس الكتابي المبكر الذي يؤدي بالكاتب الى التوقف عن الكتابة والخلود إلى السكينة والراحة لكن رسالة الاستاذ غسلت ما في قلبي من أحزان وانستني عقوق القراء ونسيانهم وقلت لنفسي سأكتب من اليوم وصاعدا لأجل رئيس التحرير وليس لأجل أحد من القراء.