في ليلة هادئة , خرجت إلى ذلك الشارع المعتم لم أر فيه ذلك الازدحام المتكرر في لحظات الصباح هدوء مخيم على المكان , لم يكسره سوى بعض السيارات التي تمر وتزعجني بأنوارها وأصواتها! هذه اللحظة مناسبة لفكري لكي يتجدد مسلسل الألم و تعود مراكب اليأس إلى موانئ فكري , وتتسلل ذكرياتي البعيدة على أسوار بالي. الآن أنا في حالة سكر !! نعم أنا في هذيان لأني غائب عن هذا الوقت لا أشعر بما حولي أنا هائم .. أنا حالم ..!. كل اللحظات العتيقة , وكل العبارات الرقيقة. تزورني , كل الصور. كل النظرات , والأطياف تجتاحني.. لم أفق من هذياني إلا بصوت ذاك الرجل: ابني .. مابك ؟!. نظرت إليه نظرة من أعناه الوقت , نظرة الظمآن الضعيف. واحترت , في حناياي من الكلام والملام والهيام ما يكفي لتسطير الأمتان ويتغنى به أرباب الغرام !!. اخترت البوح له عن ما أكنه من هموم وأحاسيس قلت وشكيت وبحت وبكيت وبكيت.. كانت كلماتي كالحمل الثقيل الذي أزحته عن فؤادي ووضعته على راحتي هذا الشيخ , فما كان منه إلا الصمت !! احترت لأمره فهو لا ينطق , اكتفيت بالنظر إليه نظرة الحيران المنتظر من يدله إلى طريق الأمان ف قال : أعيتك الجروح , ودارت عليك الدوائر .. ولكنك عقدت عقد الوفاق معها , نعم , عقدت الوفاق مع الألم , فكان الحزن مصاحبا لك والهم رفيقا لدربك درب العناء لم تتعلم لعبة الوقت ! لم تعرف خفاياه , فكنت الخاسر دائما وكان الوقت المنتصر عليك . يا ابني ., العمر يمضي بدون توقف , لا يعرف الاستراحة , ولا يعرف الانتظار مهما كانت الأعذار فهو في طريقه ماض ,!! لكنك استدرت صوب الماضي تقف على محطاته المؤلمة !! تناجي الأحزان وتنادي الحسرة والحرمان !! عزفت الألحان وتمايلت طرباً وبكيت ألماً ونسيت عهداً في قصة الأمس , ! ولكنك تركت وجهلت ألحان الغد الباسم , وحرمت عينيك من مشاهدة الشمس لحظة شروقها , الأيام تتجدد ومعها الأحلام والمنى تتجدد فلماذا تعزف لحن الماضي الأليم ؟ لماذا لم تنظر للطيور المهاجرة؟., هجرت موطنها بحثاً عن الأمان , لم تقف على تلك المحطة المؤلمة بل طوت صفحه الماضي , وأقبلت نحو الحياة السعيدة ارسم البسمة على محياك , ازرع الفرحة في القلوب , انثر ورود الحب في كل مكان , أقبل للحياة السعيدة ابحث عنها عشها واترك قصة الأمس وتغنى بقصة الغد ..! رحل هذا الشيخ .., ولكنه لم يرحل ! لم يرحل بعد أن أيقظني من هذياني ., لم يرحل بعد أن احتواني و علمني و أرشدني لم يرحل بعد أن أطفأ عطشي و لهفتي بكلماته الحانية الآن أنا إنسان جديد , سوف لن يتكرر مشهد الألم سوف لن أعيش لحظة ألم سأرفع صوتي غناء لقصة الغد , وداعاً يا قصة الأمس ..