قبل أكثر من عقدين من الزمن وحينما دخلت إلى أروقة العزيزة جريدة “ الندوة “ في بداية حياتي الصحفية كنت أطالع بين الفينة والأخرى أخبارا ومقالات عن مؤرخ وأديب اسمه عاتق بن غيث البلادي الذي كان اسمه مترددا على صفحات الملحق الأدبي الذي كان يحرره الزميل الأستاذ / محمد موسم المفرجي رحمه الله وكان الزميل أحمد الأحمدي من أكثر المتابعين لأخباره وأنشطته بحكم صلته به وكثيرا ما كان يتردد عليه في مكتبه بدار مكة متابعا لإصداراته وإصدارات الدار. انه الأستاذ عاتق بن غيث بن زوير بن زاير البلادي رحمه الله العسكري الذي ارتدى بذلته العسكرية مرصعة بأوسمة الأدب والتاريخ فكان من كبار المؤرخين بمكةالمكرمة. وقد ولد الأستاذ / عاتق البلادي رحمه الله في بادية بشمال مكة عام 1352 ه وتلقى تعليمه الأولي بالمساجد وفي عام 1364 ه حينما توفي والده توجه إلى مكةالمكرمة طالبا للعلم بمدارسها النظامية كما درس على أيدي عدد من علماء ومشائخ المسجد الحرام. وفي عام 1372 ه التحق بالجيش العربي السعودي ليعين بوظيفة عسكرية تحت مسمى نائب كاتب وفي عام 1375 ه رقي لرتبة وكيل. وكان الأستاذ / عاتق البلادي رحمه الله ضمن اللواء السعودي الحادي عشر الذي أرسل تعزيزا للجيش الأردني أثناء العدوان الثلاثي على قناة السويس بعد تخرجه من مدرسة المشاة برتبة وكيل ضابط عام 1376 ه. وخلال عامين من بقائه في الأردن حصل على دبلوم الصحافة من معهد دار عمان العالي وعلى ثلاث دورات عسكرية في الجيش الأردني. وظل بالجيش حتى عام 1395 ه فحصل على ترقيات عسكرية حتى وصل لرتبة مقدم في عام 1395 ه ويبدأ بعدها في الترجل طالبا إحالته إلى التقاعد ويتحول بعدها من العسكرية التي عاشها طوال سنواته العملية إلى مؤسس لدار مكة للنشر والتوزيع وباحث عن انساب العرب ومؤرخ لمكةالمكرمة . حصل على جائزة أمين مدني للبحث في تاريخ الجزيرة العربية في دورتها الرابعة عام 1423 ه عن كتابه “خيبر ذات الحصون والعيون والنخيل “. له العديد من المؤلفات المطبوعة والمخطوطة من أبرزها معجم معالم الحجاز ويتكون من عشرة أجزاء ، معجم قبائل الحجاز ثلاثة أجزاء، معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية. فضائل مكة وحرمة البيت الحرام. فضائل القرآن.معالم مكة التاريخية والأثرية ، أمثال الشعر العربي ، الأدب الشعبي في الحجاز ، معجم الكلمات العجمية والغربية في التاريخ الإسلامي. توفي رحمه الله يوم الثلاثاء الأول من شهر ربيع الأول عام 1431 ه وبوفاته قال عنه الدكتور عاصم حمدان: “ رحل وارث مدرسة مكة التاريخية الأستاذ عاتق بن غيث البلادي في صمت كما عاش في صمت، بعيدًا عن ضجيج الإعلام وصخبه، وتنوعت كتابات البلادي ما بين أدبية تاريخية وجغرافية، مثل الأدب الشعبي في الحجاز، ومعجم معالم الحجاز، ويقع في عشرة أجزاء وعلى طريق الهجرة، ورحلات في قلب الجزيرة، ومعالم مكة التاريخية والأثرية ومعجم قبائل الحجاز ونشر الرياحين في تاريخ البلد الأمين ومعجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية وهديل الحمام في تاريخ البلد الحرام وحضرموت «رحلات ومشاهدات ونسب حرب» ورغم ما أثير حول هذا الكتاب من ملاحظات إلا أن أحدًا لم يقدم للتاريخ لهذه القبيلة العريقة قبل الأستاذ البلادي وذلك لما وقر في نفوس الناس من حساسية عند التعرض لموضوع الأنساب، ولم يعبأ البلادي بما أثير في الصحافة وسواها عند صدور هذا الكتاب، ولاحظت من قراءتي لكتابه القيم «على طريق الهجرة» سعيه لتحقيق المواقع الأثرية بطريقة علمية تذكرني بمنهج أستاذي مؤرخ المدينة في العصر الحديث الشريف إبراهيم بن علي العياشي وخصوصًا في كتابه «المدينةالمنورة بين الماضي والحاضر» وعندما أثير – أخيرًا – موضوع حدود حرم المدينة كانت آراء الأستاذ البلادي هي المرجع وخصوصًا في تحديد جبل ثور بالقرب من جبل أحد شمال المدينةالمنورة. وفي الختام لا بد من القول بأنه بموت البلادي يفقد الوطن واحدًا من أبرز علمائه الموسوعيين، فلقد قضى حياته يحقق ويكتب ويؤلف بعيدًا عن الادعاء والصلف والضجيج “ حصل رحمه الله على عضوية نادي مكة الثقافي الأدبي، نادي جدة الأدبي، نادي الطائف الأدبي. وشارك في عدد من المؤتمرات الأدبية والتاريخية وأجريت معه عدة مقابلات وندوات صحفية وإذاعية، وتلفازية (رحمه الله).