يرقص كالذئب ويهمس لقطيع الماعز “ أنا شبحٌ سأمر من هنا لأبعد عنكم صراخ وحشٍ قاتل فهلموا في حضني ولا تخافوا فأنا رمز المناضل “ فقد زمجر الكذب في جسدٍ لم يحتفل قط بالحب جسدٍ تلبدت داخل روحه أروقة الهلاك فقامته مسلولة النبضات مسامات كل شبر فيها مترهلة وقد انفرط ما فيها من شدة الدهر الخاثر الذي غطى طقس مبسمه القطبي العاثر تراه يعدو في غدوه ومجيئه كموت حائر يحمل ما بين أكتافه البغيضة التي أعياها الزمن غدراً وكرهاً وقبحاً لكل الشفاه الجميلة التي ترتسم على قاماتها الحب والخير وعلى هاماتها كل البسمات البريئة الطاهرة . صبية كالنحل عامله يحملون ما بين أيديهم أحلاماً عن الخبز والحصى كانت تلك أمانيهم الخيرة وسلاحهم الأوحد الفتاك الذي تهابه مجنزراتهم وقلوبهم المريضة .. كانت كلابهم تمشط الشوارع ببخور ضائع تبحث في كل المواقع عن كل طفل رائع تجمهروا من كل حدب وصوب ليهدموا بيت شيخ القبيلة ويدمروا اسوار المدينة وكانت الشفاه غضبى حزينة .. حاولت تلك الزهور الغضة الندية أن تمنع العار والهزيمة حاولت أن تلبي النداء وأن تحيا مع الأوفياء بما في يديها من نجم أضاء وكان ما كان بعد ما بعد الرجاء وقرب اللقاء .. جاء يركض من أقصى المدينة وأحزان جليدة قد غصَّ بها كل مسافر على السفينة . زفرة حرَّى دفينة فلا ارض بقت ولا أهلٌ ولا مدينة . جاء يركض من بعيد أقدامه حافية والصبر مختال عنيد . وصوت الريح كان يهدُّه وفصوله أدماها ذلك اليأس البليد . جاء يركض من بعيد رغيفه شوك وأزهار معتقةٌ مراكن دفئها أشلاء الحديد . جاء يركض من بعيد ليرتمي عشقاً على من رباه .. صاح بأعلى صوته أنا هنا يا أماه .. أنا هنا يا أبتاه هل تذكروني ؟ صاح بملء شدقيه لا .. لا .. تتركوني في غياهب الدرب وحيداً . صاح مراتٍ بعد أن لملم في ذهولٍ زفرة الحر الشديد . جاء يحلم من بعيد بعد أن لاح في الأفق وميضُ نورٍ هداه إلى فجر جديد أنا لن أكون هنا فالركب في جنة الفردوس خليد . جاء يحلم من بعيد وكان يعرف ما يريد وكلاب الخوف تنبح وفي أحداقه نغمٌ فريد . جاء يحمل فوق كتفيه بارودة جده وجوع صبره وأحلام ماضيه التليد فرحوا به صاحوا لقد أزلت عنا العار وأحزان الجليد .. أماه .. أبتاه وافرحتاه .. أنا هاهنا .. أحيا بينكم طفلٌ شهيد .. طفلٌ يحمل ما بين أكفّه عيد مجد وأيام عرسٍ فريد !!! . ومضة :- من شعر فيصل أكرم : ماجئتُ من خلف الهوى أو جئتُ من قفص الطيور .. ماكنتُ مطموراً هنا أو كنتُ في قمم النسور .. وحدي ، كما الأفراد ، أحيا كي أجرّبَ كلَّ شيءٍ .. كي أغطِّيَ كلّ شيءٍ ، بالتغاضي ، والتفادي ، والنداء ولا يجرّبني غطاءٌ .. غير أبواب القبور