نصح فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الدكتور أسامة بن عبدالله خياط المسلمين بتقوى الله عز وجل وأن يتقوا يوما يرجعون فيه إلى الله يوم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون. وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس : في مقام البيان والتذكير وإرشاد العباد إلى ما تطيب بهم حياتهم وتستقيم به أحوالهم يأتي التنبيه والتحذير لمن تجافى عن طريق الهداية وسلك سبيل العصيان والمحادة إن ما يراه من تتابع النعم واتصال المنن إنما هو نذير له بحلول العقوبة ونزول البأس ووقوع البلاء.فقد اخرج الإمام احمد في مسنده بإسناد حسن عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج ثم قرأ قوله تعالى ( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) وهو إخبار منه سبحانه أن أولئك العصاة لما تركوا العمل بما أمرهم الله به على ألسنة رسله إعراضا عنه وتكذيبا به بدل الله مكان بأسائهم رخاء وسعة في العيش وصحة وسلامة في الأبدان استدراجا لهم حتى إذا فرحوا بما فتح الله عليهم من أبواب النعم بطروا وأعجبوا بما عندهم وظنوا أن ذلك لا يفنى وانه دليل بين على كمال رضا الله عنهم وجميل بره بهم أتاهم سبحانه عندها بالعذاب فجأة وهم لا يشعرون، إن ذلك كائن حال بهم وانكأ شيء هو ما يفجأ المرء من البغتة فكان التذكير الذي تركوه إعراضا وتكذيبا وإصرارا بمنزلة الآية والعلامة على الاستدراج والإمهال.فأصبحوا آيسين من كل خير منقطعة حججهم بشدة ما نزل بهم من سوء الحال. قال الحسن رحمه الله من وسع الله عليه فلم يرّى انه يمكر به فلا رأي له، فلا تغتروا بالله فانه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون وفي الآية كما قال أهل العلم أن البأساء والضراء وما يقابلهما من السراء والنعماء هو مما يتربى ويتهذب به الموفقون من الناس وإلا كانت النعم اشد وبالا عليهم من النقم وهذا ثابت بالاختيار إذ الشدائد مصلحة للفساد. وأضاف إمام وخطيب المسجد الحرام :وأجدر الناس بالاستفادة من الحوادث المؤمن كما جاء في حديث صهيب رضي الله عنه عن رسول الهدى صلى الله عليه وسلم انه قال(عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له) وأما الثناء الحسن في ذلك الذي جرى من نصر الله تعالى لرسله وبإظهار حججهم وتصديق نذرهم وإهلاك المشركين الظالمين بالعذاب الذي لم يغادر منهم أحد وإراحة الخلق من شركهم وظلمهم وهو ثابت حق لله رب العالمين المدبر لأمورهم المقيم لأمر اجتماعهم بحكمته البالغة وسننه العادلة ففي هذا بيان للواقع من استحقاق الحمد والثناء لله تعالى وفيه إرشاد للمؤمنين بما يتعين عليهم من حمده سبحانه على نصر عباده المرسلين المصلحين وقطع دابر الظالمين المفسدين وعلى حمده عز اسمه في كل أمر وفي خاتمة كل عمل كما قال سبحانه في حق عباده المتقين ( وآخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين). وقال فضيلته: إن في ما أوضحه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم مما يعطيه الله تعالى للعصاة من سابغ النعم مع إقامتهم على العصيان واجتراحهم السيئات إنما هو استدراج وإملاء فيه تحذير وإرشاد للأمة قاطبة في أعقاب الزمن يبعث على اجتناب أسباب سخط الله والسلامة من عقوبته فان أخذه اليم شديد كما قال سبحانه(وكذلك اخذ ربك إذا اخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه اليم شديد) وكما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الله عز وجل يملي للظالم أي يمهله فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ صلى الله عليه وسلم هذه الآية ). وفي المدينةالمنورة ألقى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ حسين آل الشيخ خطبة الجمعة امس أوضح في بدايتها أن أصل الحياة الطيبة وقاعدة السعادة المنشودة وأساس العاقبة الحسنة في العاجل والآجل يكمن في الصدق مع الله جل وعلا ظاهراً وباطناً قولاً وفعلاً طاعة وامتثالاً. وقال فضيلته “ إن على هذا المرتكز تتحقق الثمار الطيبة والنتائج المرضية دنيا وأخرى ، قال تعالى (فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ). أعطى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابياً قسماً من غنائم خيبر فجاء للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ما على هذا اتبعتك يا رسول الله ولكن اتبعتك على أن أُرمى هاهنا وأشار إلى حلقه فأموت فأدخل الجنة فقال ( إن تصدق الله يصدقك) ، ثم نهض إلى قتال العدو فاُؤتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقتول فقال ( أهو هو ) فقالوا نعم قال ( صدق الله فصدقه) ، فكفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبته ثم دعا له “. وأضاف فضيلته يقول “ إنه الصدق الذي يعيش به القلب والبدن والظاهر والباطن في رعاية تامة لأوامر الله جل وعلا والاستقامة على منهجه سبحانه ، إنها تربية الباطن باليقظة الدائمة والحذر التام من الجبار جل وعلا ومن سخطه وأليم عذابه والسعي إلى رضوانه وجنته ، قال تعالى (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ). ولهذا فالأمة المسلمة اليوم وهي تُحيط بها الفتن من كل جانب وتعلو حياتها المصائب من كل حدب في أمس الحاجة إلى الصدق مع الله جل وعلا صدق الإيمان والطاعة صدق التوجه والإرادة صدق العمل والإتباع في كل شأن وفي جميع مجالات الحياة “. ومضى فضيلته يقول “ إن هذا الأصل هو المقوّم لعمل الأفراد والمجتمعات نحو الإصلاح والفلاح والعاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة وهو الذي يقودها إلى الظفر بالمطلوب والنجاة من المرهوب ، ولذا فالحاكم في حاجة للصدق مع الله جل وعلا في سياسة الرعية ومراعاة مصالحهم والقيام على تحقيق شئونهم وكذلك الرعية في حاجة إلى الصدق مع الله جل وعلا في طاعة الحاكم على المنهج الإسلامي الذي جاء به الشرع المطهر لتحقيق مجتمع فاضل تتحقق فيه الحياة الطيبة والعيشة الرضية. وهكذا كل مسؤول لا يستقيم منهجه ولا يصلح عمله ولا يُفلح سعيه إلا إذا صدق مع الله جل وعلا وصدق في المنهج الشرعي الذي تقوم عليه أصول مسؤوليته وكان ابتغاء رضوان الله ونيل ما عنده الباعث له في كل تصرفاته “. وزاد فضيلته يقول “ إن الصدق مع الله جل وعلا تظهر حقيقته في الخوف من الله باطناً وظاهراً فتكون الحركات والسكنات والتصرفات والتوجهات والإرادات والأعمال والأقوال كلها محكومة بأمر الله سبحانه وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم محاطة بسياج المنهج القرآني والهدي النبوي مراد بها وجه الله لا تُخالطها أهواء نفسية ولا تُخالجها مصالح شخصية ولا تحكمها نزعات دنيوية ولا توجهات شخصية بل الحكم في المنشط والمكره والمرجع في العسر واليسر والمرد في الرخاء والشدة تحقيق شرع الله وامتثال أمره وسواء كان ذلك مع الصديق أو مع العدو أو مع القريب والبعيد أو مع الغني والفقير “. وأردف فضيلته “ وما أروع ما ضربه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من نماذج رائعة في الصدق مع الباري جل وعلا بفضل التربية النبوية والمدرسة المحمدية. ذكر بن حجر رحمه الله في كتابه الإصابة أن سعد بن خيثمه استهم هو وأبوه يوم بدر فخرج سهم سعد فقال له أبوه يا بني آزرني اليوم فقال سعد يا أبتي لو كان غير الجنة فقلت فخرج سعد إلى بدر وبقي أبوه فقتل بها سعد وقتل أبوه بعد ذلك خيثمه يوم أحد كل ذلك بسبب الصدق مع الله جل وعلا فنالوا الشهادة التي هي أعظم مطلوب. وفي صحيح السيرة أن عمير بن أبي وقاص رد يوم بدر لصغره فبكى فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم ، قال سعد أخوه رأيت أخي عمير قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يتوارى حتى لا يراه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت مالك يا أخي قال إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردني وإني أحب الخروج لعل الله أن يرزقني الشهادة فصدق وصدقه الله وأعلى درجاته في الشهادة في سبيله “. وأشار فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي أن الأمثلة والنماذج الرائعة في صدقهم مع الله جل وعلا أكثر من أن تُحصر مما بوأهم المكانة السامية والمنزلة الرفيعة حتى قال الله فيهم ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). فما أحوجنا معاشر المسلمين إلى أن نصدق مع الله قولاً وفعلاً ظاهراً وباطناً قصداً وإرادة وأن نسيّر حياتنا ومنهاجنا وتصرفاتنا على هذا المنهج المرتضى لنبوأ بالمغفرة والرضوان في الآخرة وبالسعادة والحياة الطيبة في هذه الدار.