قال الدكتور سعد البازعي في اثنينية عبد المقصود خوجه التي حضرها بعض المثقفين والصحفيين والمهتمين بالشأن الثقافي ، إن مقال السيرة الذاتية شكل من أشكال الثقافة الطارئة على حياتنا الثقافية والاقتصادية والوظيفية، جاءتنا ضمن طوارئ ثقافية كثيرة أخرى استلزمتها المتغيرات الحضارية التي مررنا بها وما نزال .. ولعل من الطريف أن يدل المفهوم في حذره اللغوي اللاتيني على (مسيرة حياة الإنسان)، كأن مجموع الوظائف التي شغلها الإنسان وما ناله من شهادات وخبرات كاف لاختصار مسيرة حياته، لكنه الطابع الاقتصادي العملي الذي تشكل به المفهوم في مرحلةمن مراحل تطور الحضارةالغربية والذي جعل تلك الوظائف والخبرات وما إليها هي الزبدة في حياة الانسان.. وفي( ثقافة الصحراء) وجدت نفسي مشغولاً ليس بالأدب فحسب وإنما بالقضية التي لم تزل تلازمني على امتداد أوراق بحثية ومحاضرات وكتب أخرى: قضية الهوية.. وأظنني لو بحثت عن كلمة تشكل لازمة متكررة في مجمل ما كتبت ستكون (الهوية) ، فكان سؤال الهوية ولايزال سؤالا وجوديا ومعرفيا وثقافيا. وقال البازعي إنه غير واثق بالتأكيد أنه خدم الثقافة التي ينتمي إليها على النحو الذي تمنى، ولكنه يذكر عندما كتب مقالا في الجنادرية قبل عشرين عاما حول الرومانسية في الآداب الآوربية ، كتب أحدهم معلقا وساخرا لم نعهد البازعي متخصصا في الآداب الأوربية، وكنت سعيدا بهذا التعليق لأن معناه أنني تركت انطباعا لدى ذلك الكاتب أنني أرقب إلى الأدب العربي منه عن الأدب الأوربي.. وقال الشيخ عبد المقصود خوجه في كلمته الترحيبية إن البازعي ألف العديد من الكتب متناولاً شتى المواضيع وأحسب من أهمها كتابه (المكون اليهودي في الحضارة الغربية)، وفي تصوري أن أهميته تنبع ليس من الجانب الوصفي للفكر والمفكرين اليهود، بل بالدور الكبير الذي أسهموا من خلاله بدرجة كبيرة في إثراء الساحة الثقافية الغربية وامتزاجهم العميق بمدلولاتها وآمالها وشجونها، فمنهم من ترك وسماً ظاهراً في مسيرة الحضارة الغربية وذكر على سبيل المثال: اسبينوزا، وماركس، ودريدا، وغيرهم في مجالات الشعر، والرواية، والنقد.. واستطاعوا تمرير الكثير من رؤاهم كيهود إلى المتلقي بذكاء وموضوعية.. مستخدمين لغة القوم وطريقة تفكيرهم لاحتوائهم واكتسابهم رصيداً لا غنى عنه لدعمهم والسير في ركابهم.. إن إسقاط هذه الحالة على وضعنا في العالم العربي والإسلامي يوضح الهوة الكبيرة التي تفصلنا عن المجتمعات الغربية حتى الآن.. إذ لم ينهض مفكرون من بين العرب والمسلمين بالمستوى المطلوب حذقاً للغة وتقديماً للفكر بمنهجية وموضوعية توائم العقلية الغربية التحليلية، وبالتالي تؤثر فيها وتستقطبها لخدمة أهدافها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بطريقة غير مباشرة.