في زيارتي الأخيرة لابني (أيمن) في بريطانيا، حيث يدرس هناك، جاء يستقبلني في مطار لندن، مصطحباً عائلته وأبناءه الصغار، ولقد أعد لي ووالدته جولة سياحية لمشاهدة معالم لندن الشهيرة والتي زرتها لأول مرة منذ أكثر من أربعين عاماً .. وبما أنه اصطحب أبناءه معه، فإنه أراد أن يرفه عنهم، بأخذهم لبعض الأماكن العامة الترفيهية ، والتي تتلاءم للصغار والكبار. وكان من ضمن هذه الأماكن، (عين لندن)، وهي أرجوحة دائرية الشكل، تقع على نهر التايمز، وتتكون من غرف زجاجية معلقة على الطوق دائري، يدور بصورة أوتوماتيكية وبسرعة بطيئة جداً حول مركز هذه الدائرة العملاقة، والتي يمكن للركاب أن يمتطوها ويهبطوا منها وهي في حالة الدوران!!. وتعتبر (عين لندن) وهذا اسمها، أكبر أرجوحة دائرية في العالم .. أما أصغرها فتلك التي كنا نركبها ونحن صغار في أعياد الفطر، وهي عبارة عن صناديق خشبية تدور حول محورها، صعوداً وهبوطاً، وعدد صناديقها أربعة فقط، واشتهر بها حي المظلوم في جدة. وعندما ولجنا إلى غرفة الأرجوحة الدائرية، وجدنا أنها تتسع لأكثر من عشرين راكباً ، حيث يسمح للركاب أن يبقوا فيها لدورة واحدة، تستغرق هذه الدورة أكثر من ثلاثين دقيقة، يُشاهد فيها الركاب معظم معالم مدينة لندن، مثل قصر بكنجهام الملكي، ومعظم متاحف لندن الشهيرة، وملعبها الشهير لكرة القدم .. وغير ذلك .. علماً أن أعلى نقطة في هذه الأرجوحة تبلغ (300) متر تقريباً. وبينما كنت أشاهد معالم لندن، فكرت في مكةالمكرمة، وفي معالمها التي يتوق الكثيرون من الحجاج والمعتمرين والزائرين لمشاهدتها .. لكنهم لا يستطيعون ذلك ، إما لارتفاع هذه الأمكنة عن مستوى البحر، ووجودها في أعالي الجبال ، مثل غار ثور وغار حراء ، وإما لبعدها عن المنطقة المركزية لمكةالمكرمة .. فلو أن رجل أعمال، أو شركة أو مؤسسة ما، أو هيئة سياحية ، أو أمانة العاصمة المقدسة، بالتنسيق مع الجهات الرسمية، شيدوا مثل هذه الأرجوحة، ولنفترض أننا أطلقنا عليها اسم (عين مكة) أو غير ذلك من الأسماء، ووضعنا لها رسوم دخول أو ركوب، واخترنا لها المكان المناسب الذي يمكن من خلاله رؤية الأماكن التاريخية والإسلامية ، بما فيها المشاعر المقدسة، وزودناها بالتقنية الحديثة من أجهزة استماع، تشرح للركاب بلغات بلدانهم، ما يرونه أمام أعينهم، عبر الحجرة الزجاجية، التي يمكنهم من خلالها رؤية معظم معالم مكةالمكرمة. مضافاً إلى ذلك شرحاً وافياً لما نرغب أن يصل إلى هؤلاء الركاب من نصائح وتوجيهات وإرشادات .. كما يمكننا أن نوضح للركاب من حجاج ومعتمرين وزائرين تاريخ هذه الأماكن، والأحداث التاريخية الإسلامية التي وقعت فيها، كما يمكننا أن نوجههم لما فيه منفعتهم، وما فيه نشر للعقيدة الصحيحة والسنة المطهرة. ومن جهة أخرى، فقد رأيت في إحدى صحفنا، صوراً لمنطقة غار ثور وغار حراء، وقد وصل إليها بعض ضعاف النفوس من الوافدين، وجعلوا منها مزارات، وكتبوا على صخور الغارين أسماء الغارين، وعبارات أخرى، كما قاموا بتلطيخ الصخور بالدهانات الملونة؟! .. ووضعوا لهم (مَبَاسط) يبيعون فيها الماء والمسابح، وغير ذلك، ولا من رقيب ولا من إشراف مباشر من الجهات المختصة.. وأذكر أن صاحب السمو الملكي الأمير عبدالمجيد رحمه الله ناقش في إحدى لقاءاته بأهالي مكة، وكنت حاضراً ذلك المجلس، مسألة إيجاد (التليفريك) لهذه الأماكن، خدمة لمن يريد مشاهدتها عن قرب، ولقد استحسن الحضور هذا المقترح كثيراً، ولكنه لم ينفذ لانتقال سموه إلى الرفيق الأعلى .. وإنني أؤيد فكرة أن يكون لدينا (تليفريك) يأخذ الناس إلى هذه الأماكن ليشاهدوها عن قرب، دون أن ينزلوا منه .. بل يمكن أن يقترب بهم (التليفريك) إلى نقطة يمكنهم منها مشاهدة الغار، ثم يهبط بهم ثانية. وبهذا نضمن عدم العبث بهذه الأماكن التاريخية، كما نضمن عدم ممارسة البدع فيها. لكننا نضمن أننا يسرنا وسهلنا وأتحنا فرصة مواتية للحجاج والمعتمرين أن يتعرفوا على الأماكن التاريخية والإسلامية عن قرب .. فهل نرى قريباً (عين مكة)، و(تلفريكها) السياحي؟؟!! .. أرجو ذلك .. والله من وراء القصد.