التكافل الاجتماعي يعني تعاون الافراد فيما بينهم لسد حوائجهم المادية وما يلحق بها، وهذا يقابل ما تضعه الدول من معنى الضمان الاجتماعي الذي تتولاه الدولة عادة، وهذا الامر اي التكافل متروك للأفراد وشأنهم، يداوون المريض، يسدون حاجة الجائع، يسدون حاجة من يريد اللباس او السكن او العلاج. تنطلق من المبدأ الذي جاء به الوحي متلواً كان القرآن ام مروياً بالسنة وهذا يعني ان شأن التكافل الاجتماعي مرتبط بالمبدأ أكثر مما يرتبط بالشخص، فالمسلم حينما يواسي المصابين ويساعد المحتاجين انما ينطلق من الأمر الذي وجه اليه من الله سبحانه وتعالى ورسوله فهو لا ينتظر جزاء على عمله ولا شكراً على ما قدم بل الغاية التي يرجوها هي رضا الله سبحانه وتعالى. وتسمو معاني التكافل الأخلاقية الى أبعد من هذا فهو يريد ان يجعل العمل الصالح سراً بينه وبين الله وهو ما ينطبق عليه حديث النبي في السبعة الذين يظلهم في ظله يوم لا ظل الا ظله، رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه. والغذاء الرباني الذي يدفع الانسان للتكافل قول الله تعالى المتكرر (يا أيها الناس) فالحاجات البشرية واحدة والطاقات الانسانية متكافئة والتفاوت في الامكانيات هو من شأن الفطرة التي خلق الناس عليها وكذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم (كلكم لآدم وآدم من تراب). والقاعدة التي ينطلق منها الاسلام ثابتة لا تغيرها الاحداث ولا تبدلها الاهواء فهي التي تبني الانسان المتوازن الذي يضحي في سبيل عقيدته التي تبني الحضارة الانسانية بكل المعاني الطيبة والقيم الفاضلة، وشهر رمضان يتوجه هذا المعنى التكافلي لدروسه العلمية والعملية وبروحانية تسمو بالانسان الى مستوى الطهر والقداسة الذي يتميز به الملائكة التي فطرت عليه، أما الانسان المسلم فيوضع في تجربة عملية ليرفأ بروحه وبنفسه ويساهم في عملية التكافل الاجتماعي من ناحيتين: اولاً : الناحية الروحية المعنوية: فهو ان كان من أهل الغنى ولم يعضه الفقر بنابه مكرهاً فهاهو يقدم نفسه لأخيه الفقير ليقول له جئتك طائعاً أشاركك الألم والجوع واقاوم حاجة الدنيا لأمر سبحانه وتعالى، تلك الحالة التي تعبر عن مشاركة روحية ووجدانية تدفع الانسان الى الأمر الذي يتبعه وهي المشاركة العملية بعد ذلك بالمال وغيره لسد حاجات الناس. ثانياً الناحية المادية: ترى في رمضان يتسابق المسلمون لتقديم وجبات الافطار لعلمهم ان الرسول حثنا على تفطير الصائم وبين لنا ان من فطر صائماً فله مثل اجره ثم يجتمع الناس بكل أطيافهم حول مائدة واحدة يبدؤون الصيام بوقت واحد لا فرق فيهم بين سيد أو مسود. كما فرض الاسلام صدقة الفطر على من يملك قوت يومه وليلته كي يتعود على المشاركة الاجتماعية في التكافل ولا يحتاج الفقير احداً في يوم العيد فينتهي رمضان بكل ما فيه من الخير ويواجه الناس بعد رمضان بتكافل عام ومساواة شاملة عندما يسعى الجميع لدفع هذه الصدقات وسد حاجة الفقراء. وفي عود على بدء فالمسلم في رمضان لا ينتظر ان يقدم بصفته حامل فكرة انسانية فحسب بل يقدم للناس وهو عبدالله يتواضع بين يديه ولا يرائى ولا يماري ولا ينتظر من وسائل الاعلام ان تكيل له المديح او تقدم صورة للدعاية على انه المحسن الذي يعلو ذكره ويستحق التبجيل والتقدير، لذلك يقول الله تعالى على لسان النبي صلى الله عليه وسلم : (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) (وهذا هو الدرس العملي والعلمي الذي يتركه الصوم لنا) والله من وراء القصد.