صلة ما قبله: قال صلى الله عليه وسلم : (والله لم أرتب ولم أسأل).. ان هذا التحدي القاطع بالقرآن الخالد أكبر دليل على معجزة هذا الكتاب وخلوده وما ينطوي في آياته من المعرفة الهائلة التي لا تنقطع ولا تتأثر ولا يزيدها الزمن الا تجدداً وشمولية وإعجازاً تتقاصر دون المعجزات. اما الرؤية فهي ان هذا الشهر المبارك ينأى بالأرواح المؤمنة ويزيدها خشوعاً ويملأها غبطة ونورا فتتمدد وتتفكر في هذا الملكوت العظيم وهي ان كانت كذلك في كل حياتها لكنها تعمر وتنشط بالزيادة وطلب ومدارسة العلوم الحقيقية لأنها تداخل العقول وتفعل في الأدمغة اثرا عجيبا لا ينفد حيث تفتح امامها مجالات غير ما عرفته ومدارك أوعب وأضخم مما احست به من ذي قبل انه هدى على هدى.. قال سيد قطب رحمه الله : (ان في هذا القرآن سرا خاصا يشعر به كل من يواجه نصوصه ابتداء قبل ان يبحث عن مواضع الاعجاز فيه. انه يشعر بسلطان خاص فيه عبارات هذا القرآن يشعر ان هناك شيئاً ما وراء المعاني التي يدركها العقل وان هناك عنصرا ما ينسكب في الحس بمجرد الاستماع لهذا القرآن.. اهو العبارة ذاتها؟ أهو المعني الكامن فيها؟ اهو الصور والظلال التي تشعها؟ اهو الايقاع القرآني الخاص المتميز عن ايقاع سائر العقول المصوغ من اللغة؟ أهي هذه العناصر كلها مجتمعه ام انها هي وشيء آخر وراءها غير محدود؟!!. هذه الرؤية النافذة والادراك العميق موهبة من الخالق ورحمة من لدنه، لهذا نعلم ان الصيام ليس الامساك عن الطعام والشراب فحسب وانما علاوة على هذه الظواهر استزادة ومجاهدة في التمكن من المعرفة الوحيدة لأن من عرف الله معرفة اليقين لا ينكره ولا يخالفه ولا يتجرأ على محذوره ولا يبصر بعين كليلة نحو الاشياء وفي الاشياء ولهذا كان السلف الصالح بحوراً في الفهم آية في التبصر كل منهم يضرب المثل بعلمه النقلي والعقلي.. آمنو فأعطوا الايمان حقه من التذلل والخشوع والتقيد والثبات.. ودرسوا فكانوا القدوة الرائعة للإخلاص والمتابعة والشمولية.. وافتوا فكانوا البدور السافرة في العلم والنصيحة ودقة التأثير والتمثيل وصنفوا فقعدوا القواعد ومايزوا العلوم وفندوا المسائل ووثقوا المرجعية.. وهكذا كانت حياتهم كلها رمضان. لقد تركوا لمن بعدهم ما لم تحطه الآلة إلا بالكاد وهم على شظف من العيش وفي غاية من الضنك والجهد ولكنهم كانوا الأقوياء بالله المستنيرين بنور الله النافذين بأمر الله.. هؤلاء الأجداد من كانت رؤيتهم اكبر وأوسع من التجارب المحكومة بالافتراض والفشل والطموح الترابية.. اما الثبات فهذه الايام المباركة تؤكد على الثبات المطلق في العبادات التي نص عليها القرآن الكريم والسنة المطهرة وما أوجبته العقيدة من الثوابت التي لا تتغير أحكامها ولا تتبدل كالصلاة وما يترتب من أركانها وشروطها وسننها المعروفة.. وكذلك الزكاة والصدقات والصيام وأركانه وشروطه والحج بأركانه وشروطه. وهناك ثوابت اخرى في الأحكام والارث والبيع والشراء والنفقات وكذلك في المباحات والمحرمات في الأعراض والدماء وغيرها مما لا يلحقها تطور ولا تعديل مما فصله الشرع وأجمع عليه السلف وفيما اتفق عليه الأئمة القدوة.