تعتبر اللوحات الإرشادية والإعلانية التي توضع في الأماكن العامة والخاصة وسيلة من وسائل الاتصال الجماهيري التي تعنى بإرسال رسائل خاصة توجه سلوك الناس طبقاً لمعطيات متنوعة يتطلبها الموقف الاجتماعي . واستجابة المستقبل لهذه الرسائل يعني تحقق الهدف منها . وهي أسلوب حضاري ينم عن الوعي الثقافي والمستوى الحضاري للفرد . فاحترام الأنظمة والتعليمات والإرشادات أصبح جزءاً أساسياً من سلوكيات الفرد في البلاد المتقدمة ، لأن الأنظمة حق من حقوق الشعب وأن أي شخص يخالف الأنظمة يعني أنه تعدى على حقوق الآخرين . لذا فإنه يقاوم من المجتمع بدءاً من نظرة الاستهجان التي توقعه في الحرج وليس آخرها سحبه من المكان بقوة السلطة، ليكون عبرة لمن يعتبر . ولكن كثيراً ما تكون النظرة هي إشارة اللبيب التي يفهمها فيعدل عن مخالفته . ونحن بوصفنا مسلمين أولى الناس باتباع الأنظمة والتعليمات والقوانين الاجتماعية والإدارية وغيرها .. ، لإعطاء كل ذي حق حقه ، فديننا الإسلامي دين النظام الذي يحافظ على الحقوق ويهتم بالواجبات ، فهناك حق الجار.. وحق الطريق.. وحق الضيف وغير ذلك من الحقوق والتي تحمل توجهات أخلاقية وقيماً تنظم حياة الناس وترعى مصالحهم . ولكننا للأسف كثيراً ما نبدي عدم احترام للأنظمة والتعليمات في المواقف الاجتماعية المتنوعة والتي تتطلب تنظيماً خاصاً يساعد على تحقيق أكبر قدر من الانسيابية واللياقة الاجتماعية والاتيكيت والتي تعطي كل فرد حقه في الجلوس والمشاركة في المناسبات الاجتماعية المتنوعة . وكثيراً ما نصادف أشخاصاً يضربون بعرض الحائط كل الأنظمة والتعليمات الإرشادية التي وضعها المنظمون والقائمون على تلك المناسبات الاجتماعية ولا أظن ذلك ناتجاً عن قلة الوعي أو الجهل بالبروتوكولات الاجتماعية؛ فثقافة الانفتاح العالمي وما توفره الفضائيات من برامج في أساليب التعامل والآداب الاجتماعية تغني عن عشرات من الكتب. ولكننا وللأسف نتجاهل حقوق الآخرين في تحد صارخ للأنظمة والمنظمين وعدم الاعتبار لجهودهم وأوقاتهم التي بذلت للتنظيم ، وهذه سلوكيات تتناقض مع أبسط معايير الذوق واللياقة الاجتماعية في الأماكن العامة ناهيك عن الملتقيات الثقافية والعلمية والتي يفترض أن من يذهب إليها يكون على قدر من الوعي الثقافي والحضاري . فهم قد ينزعون الشريط الذي يحجز المكان المخصص لجلوس أشخاص بعينهم وهم بذلك ينزعون كل قيم احترام الآخرين ، ويقلبون لوحة (محجوز) وهم بهذا يقلبون كل موازين قيم المحافظة على الأنظمة والتعليمات . كما أنهم يسببون الحرج لكافة الأطراف ذات العلاقة . والأدهى من ذلك أنهم لا يعيرون النظرات ولا العبارات .. ولا الأشخاص من حولهم أدنى اعتبار ، وهكذا تذهب الرسائل والوسائل أدراج الرياح ... ولكن لماذا هذه التجاوزات العلنية للأنظمة والتعليمات والإرشادات ؟ وهنا تحضرني قصة تشرشل - القائد البريطاني العظيم - الذي علم شعبه كيف يكون احترام الأنظمة والتعليمات : فعندما أعلنت المحكمة إغلاق مطار حربي كان يشوش على جلسات المحكمة ورفض وزراؤه القرار خشية الهزيمة في الحرب ، أصر تشرشل على اتباع النظام المحدد وقال مقولته الشهيرة : (لأن تخسر بريطانيا حرباً أهون ألف مرة من أن تخالف حكماً) . وهو بهذا أراد أن يؤسس لمبدأ الاحترام للأنظمة والتعليمات والقوانين وأنها فوق أي اعتبار. وهاهي الإمبراطورية البريطانية تجعل سيادة النظام نقطة التقاء بين الأمم المتحضرة في كندا ، وأمريكا ... واستراليا .. وغيرها من الدول . أخيراً أقول إن ما يحدث في بعض مناسباتنا الاجتماعية العامة والخاصة من فوضى هي بسبب عدم الانضباط وعدم الالتزام بالتعليمات والأنظمة ... ولكن متى يأتي ذلك اليوم الذي يتحمل كل فرد منا مسئوليته الأخلاقية والاجتماعية والوطنية باحترام الأنظمة والتعليمات ونعود كما وصفنا الله عز وجل في القرآن الكريم بقوله (كنتم خير أمة أخرجت للناس) ؟!!. مكتب التربية والتعليم غرب مكة المكرمة