مكة المكرمة والمدينة المنورة معقل الإسلام ونور الإيمان واشراقات النبوة ووهج الحضارة الإسلامية بمآثرها الاسلامية العديدة في مختلف النواحي والآثار فيهما الكثير من الجبال و الدور و المدارس و المساجد والعيون والآبار و المقابر والمشاهد وما إلى ذلك – وأكثرها مرتبط بتاريخ الإسلام وعزه ومجده وتتصل اتصالا وثيقا بالقرون الأولى وهناك الآثار التاريخية التي تركها المسلمون بصنائعهم وأفعالهم وتمتلئ بذكرها كتب التاريخ ومصادره – ومن هذه الآثار ما بقي ومنها ما دخل في توسعة الحرم المكي والنبوي الشريفين أو توسعة الميادين والساحات والشوارع – ومنها ما دخل في طور التجديد والترميم والإصلاح والتوسعة وهو كثير – والتي لم تبق ظاهرة بارزة بقيت في الصدور والقلوب أو في كتب التاريخ – ومنها ما ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإلى صحابته وخلفائه ومن أتى بعدهم . وقضية المحافظة على هذه الآثار وزيارتها جعل منها البعض قضية خلافية بل عقائدية وأن المحافظة عليها وزيارتها تفضي إلى الشرك هكذا يعتقدون !!! ولم نسمع على مرّ العصور من عبدها من دون الله!!! وإنما زيارتها والوقوف عندها يزيد الإيمان ويقوي العقيدة ويربط الحاضر بالماضي . فهذا الإمام النووي ناصر السنة وقامع البدعه يقول في (المجموع شرح المهذب (8/270) ما نصه : (ينبغي للحاج والمعتمر أن يغتنم مدة إقامته بمكة ويكثر الاعتمار والطواف والصلاة في المسجد الحرام وسبق بيان الخلاف في الطواف والصلاة أيهما أفضل في مسائل طواف القدوم. ويستحب أن يزور المواضع المشهورة بالفضل في مكة وهي ثمانية عشر منها : بيت المولد , وبيت خديجة , ومسجد دار الارقم , والغار الذي في ثور , والغار الذي في حراء , وقد أوضحتها في كتاب المناسك والله أعلم) . ونص على ذلك أيضا شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى في (أسنى المطالب) (1/501) والخطيب الشربيني في (مغني المحتاج) (1/511) وفي «حاشية الجمل على منهج شيخ الإسلام زكريا الأنصاري:(يستحب زيارة المواضع المشهورة بالفضل في مكة والحرم. وقد قيل إنها ثمانية عشر موضعا منها: البيت الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو اليوم في مسجد في زقاق يقال له زقاق المولد، وذكر الأزرقي أنه لا خلاف فيه) , ومنه بيت خديجة الذي كان يسكنه صلى الله عليه وسلم، وخديجة رضي الله تعالى عنها فيه ولدت أولادها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه توفيت خديجة رضوان الله عليها ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مقيما به حتى هاجر قاله الأزرقي قال ثم اشتراه معاوية وهو خليفة من عقيل بن أبي طالب فجعله مسجدا. ومنها مسجد في دار الأرقم وهي التي يقال لها دار الخيزران كان النبي صلى الله عليه وسلم مستترا يتعبد فيه في أول الإسلام قال الأزرقي هو عند الصفا قال وفيه أسلم عمر بن الخطاب. ومنها الغار الذي بجبل حراء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعبد فيه والغار الذي بجبل ثور وهو المذكور في القرآن قال الله عز وجل (إذ هما في الغار) الآية . وهاهي دولتنا السعودية السنية تحتفي بإدراج آثار مدائن صالح في لائحة هيئة التراث العالمي التابعة ل (يونسكو) وسيتبعها قطعا إدراج آثار إسلامية أخرى ومواقع محددة جاء ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية وسيرتها الطاهرة و حافظت الأمة على وجودها وإحيائها طوال تاريخها . وهاهو أمير السياحة والآثار سلطان بن سلمان يشدد في احد حواراته الصحفية 4-9-2005 على أنه ليس من صلاحية أمانات المدن والبلديات المساس بالمواقع الأثرية أو هدمها، مشيرا إلى وجود قرار من الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء يقضي بعدم إزالة أية مبان أو آثار إلا بعد معاينتها من وكالة الآثار، حتى تتمكن هيئة السياحة من تقييمها لأن وكالة الآثار وهيئة السياحة هما الأقدر على تقدير أهمية ذلك الأثر حضاريا وإنسانيا. فهذه الأماكن المباركة تزيد الترابط والتواصل وتحيي سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في القلوب وتقرّب الصورة في الأذهان وتجسد الحدث التاريخي في النفوس , وأما من أساء الأدب بجهل فشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قائمة له بالتعليم والنصح والتوجيه لا بالدعوة إلى الهدم ووضع السياجات والظن بعقائد البسطاء تبديعا وتشريكا , فالأمة تحتاج إلى من يربطها بماضيها التليد وتاريخها المجيد ومن لم تزده هذه الأماكن إيمانا فأين تزداد ؟!! . بقي أن نقول إننا لا نريد من إخواننا الذين لهم موقف من المحافظة على الآثار بهدمها أو طمسها أو التشكيك بصحتها أو وجودها (مع تفهمنا للنفسيات التي ينطلقون منها والعقيدة التي يحافظون عليها) لا نريد أن تكون القضية هنا مستغلة كقضية عداء ينفذ منها من يريد التشكيك بديننا وتراثنا بحجة عدم توافر الأدلة التاريخية لقول شاذ هنا أو هناك , فالتقنيات الحديثة يمكن أن تساهم في تعميق معرفتنا بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام في مواجهة أصوات التشكيك تارة والممارسات الخاطئة تارة أخرى . يا عين إن بَعُد الحبيب وداره ونأت مرابعه وشطّ مزاره فلقد ظفرت من الزمان بطائلٌ إن لم تريه فهذه آثاره