يؤكد محللون أن هجمات مومباي المميتة تهدف الى دفع الهند وباكستان النوويتين الى شفا الحرب، في وقت كانت إسلام أباد تتحدث فيه عن السلام، وتعاقب فيه القوات الامريكيةوالباكستانية تنظيم القاعدة وحلفاءه. وتقول سامينا أحمد، مدير مشروع جنوب آسيا بالمجموعة الدولية لمعالجة الأزمة، إن (الهجمات حدثت في وقت لا تتواصل فيه الحكومة المدنية الجديدة في باكستان مع الهند فحسب بل كانت تتخذ بعض الخطوات التي لها مغزى كبير). وأضافت أنه (بالنسبة للجماعات الجهادية وأنصارها في باكستان كانت هذه لحظة حاسمة على الارجح). وعلى الجانب الباكستاني، تشير تحليلات إلى أن نشوب أزمة مع الهند يفيد قطاعات من الجيش والقطاع الحكومي في إسلام أباد غير راضية عن التحالف مع الولاياتالمتحدة الذي أدى الى قتال القوات الباكستانية لشعبها في المناطق الحدودية القبلية، كما تمنح اثارة المشاكل مع الهند باكستان عذرا للخروج من (الحرب ضد الارهاب) التي لا تحظى بشعبية وتقودها الولاياتالمتحدة، او على الاقل تنبه الولاياتالمتحدة الى المخاوف الامنية الباكستانية بشأن الهند وأفغانستان. وفي ظل شعور واشنطن بالقلق، تقود وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس جهودا لتجنب صراع ستكون له تداعيات تتجاوز المنطقة بكثير. وأنحت الهند باللائمة على (عناصر في باكستان)، وتقول ان المشتبه به الاول هو جماعة عسكر طيبة، وهي جماعة متشددة يتهم البعض وكالة المخابرات الباكستانية بدعمها في وقت سابق. وطلبت باكستان أدلة على الاتهام، وقالت إنه يجب ألا تستبعد الهند احتمال أن يكون المتشددون محليين. وإضافة إلى ذلك، فإن باكستان محاصرة من تنظيم القاعدة وحلفائه من المتشددين الاسلاميين. وتضاعفت الهجمات على قوات الامن بما في ذلك وكالة المخابرات القوية التابعة للجيش وساسة في العامين الاخيرين. واغتيلت رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو، زوجة الرئيس اصف علي زرداري، قبل عام مضى. كما دمرت شاحنة ملغومة فندق ماريوت في اسلام اباد في سبتمبر مما أسفر عن مقتل 55 شخصا. وأظهر زرداري ميلا الى الحلول السلمية نسبيا عندما كشف عن تفضيله لاتفاقية تقضي بعدم اللجوء لاستخدام السلاح النووي كأداة في الحرب ما لم يهاجمها عدو اولا بأسلحة نووية قبل هجمات مومباي. غير أن حكومة رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ ترزح تحت ضغط لاتخاذ اجراءات صارمة وتواجه انتخابات عام 2009. ويذهب محللون إلى أن العناصر بالمؤسسة الهندية من الصقور تنادي برد أكثر قوة على باكستان، وسيكون على سينغ أن يحكم على تصرفاته بدقة. وقال توماس واشنطن، وهو استشاري دفاعي مستقل وباحث ومحلل بكلية كينغز في لندن: «أعتقد أن عليهم أن يدركوا أن باكستان تقع تحت ضغط هائل من الولاياتالمتحدة وهي محاصرة من الجانبين»، مشيرا إلى اعتقاده إنها حسبة سيكون على الحكومة الهندية القيام بها. وحذر زرداري، في مقابلة نشرت في صحيفة فاينانشال تايمز نشرت الاثنين الماضي، من أن المتشددين يمكن أن يتسببوا في نشوب حرب مثلما حدث بسبب هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولاياتالمتحدة. ويقول محللون إن باكستان تمر بتحول هش الى الديمقراطية بعد أكثر من ثماني سنوات من الحكم العسكري، كما أن القيادة المدنية لا تسيطر على الجهاز الامني. ويشيرون الى أن وكالة المخابرات الباكستانية التابعة للجيش استغلت جماعات مثل عسكر طيبة لخوض حرب بالوكالة ضد الهند في اقليم كشمير المتنازع عليه. ويرى آخرون أنه على الرغم من أن المخابرات الباكستانية عاملتهم كأصول طويلة المدى فإن جماعة عسكر طيبة وغيرها مثل جماعة جيش محمد لها صلات بتنظيم القاعدة الذي اكتسب قوة بعد أن بدأت باكستان عملية للسلام مع الهند عام 2004. وقال أحمد رشيد مؤلف كتاب (الانزلاق الى الفوضى)، الذي يعرض تسلسلا زمنيا للاضطراب اللانهائي الذي تعاني منه باكستان: (فيما يخص الدولة والمؤسسات الحكومية سواء وكالة المخابرات التابعة للجيش او الجيش لا أعتقد أنها متورطة). وأضاف أن هناك مجموعة سرية من العملاء الذين يستخدمهم الجيش لاستمرار تمرد طالبان في أفغانستان أملا في استعادة النفوذ في كابول ذات يوم. لكنه ينظر الى هجوم مومباي على أنه محاولة واضحة من قبل تنظيم القاعدة وطالبان لتشتيت الانتباه في وقت يضع فيه الجيش الباكستاني والهجمات الصاروخية التي تشنها الولاياتالمتحدة مقاتليهم تحت ضغط. وقال رشيد ان الهجوم الذي شنته جماعتا عسكر طيبة وجيش محمد على البرلمان الهندي عام 2001 ودفع الهند وباكستان الى شفا حرب رابعة منذ الاستقلال عن بريطانيا عام 1947 نفذ للاسباب نفسها. وحين كان قائد الجيش السابق، برويز مشرف، رئيسا للبلاد أخذ باكستان الى عملية للسلام عام 2004، لكنه لم ينجح ابدا في تحقيق الانفراجة اللازمة لاقناع الصقور بأن استراتيجيته التي تنطوي على تجنب الحرب سليمة. ويعتقد الصقور أن الحرب ضد الارهاب قادتهم الى فخ حيث أصبحوا محاصرين. ويشيرون الى صداقة الهند مع الرئيس حامد كرزاي في افغانستان والدعم الهندي والافغاني المشتبه به للجماعات الانفصالية في اقليم بلوخستان بجنوب غرب باكستان. كما تزعجهم الصفقة التي أبرمتها الولاياتالمتحدة مع الهند لدعم صناعة الطاقة النووية المدنية بها. وترى الباحثة السياسية سامينا أحمد تشابها مقلقا مع الاحداث التي سبقت الاطاحة برئيسي وزراء سابقين باكستانيين هما بينظير بوتو عام 1990 ونواز شريف عام 1999 حيث حاولا تحقيق السلام مع الهند. وبعد تولي حكومة مدنية الحكم في إسلام أباد في مارس بفترة قصيرة بدأت سلسلة من الاستفزازات ضد الهند، حيث وقعت اشتباكات على خط الهدنة الذي يقسم كشمير فضلا عن هجوم انتحاري على السفارة الهندية في كابول، قال مسؤولون أمريكيون ان متشددين يعملون مع عملاء باكستانيين هم الذين نفذوه. وتساءلت أحمد :»هل سنرى التاريخ يعيد نفسه؟»، مضيفة أنها تشك في بقاء المجتمع الدولي ساكنا أثناء أي محاولات لاسقاط النظام المدني في باكستان مجددا.