والمطوفون يستقبلون طلائع الحجاج، بفرح وسرور لمقدمهم داعين مبتهلين الى المولى عز وجل في صلاتهم أن يوفقهم ويعينهم على أداء الخدمات المكلفين بها لحجاج بيته وزوار مسجد رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم، اذ سرى بينهم خبر وفاة السيد/ عبدالرحمن بن هاشم شلي ليلة الاثنين 19/11/1429ه فكدر صفوهم لما عرف عن هذا المطوف المعلم الذي عاش طوال حياته في خدمة حجاج دول جنوب آسيا قديما وحديثاً وعلى وجه الخصوص منها الهند والباكستان، وتفرده شخصياً من بين افراد طائفته في خدمة حجاج المدارسة لرغبتهم فيه وعدم قبولهم العدول عنه لغيره. لقد عرفت الانسان الوالد الشيخ/ عبدالرحمن شلي معرفة قرب وتواصل وتأثرت لخبر وفاته بما لا استطيع ان أوفيه حقه وفاءً له وحباً لشخصيته في الله وقد يكون من الصعب على المُفارق في لحظة الفراق أن يكتنفه صمتاً تكتوي به النفس على ضعفها بدموع حزن لا تجف، ولكنها سنة الله في خلقه أن مآل كل نفس للزوال. وقد يكون أكثر صعوبة لمن هو مثلي أن يقول كلمة حق لشخصية السيد/ عبدالرحمن شلي فطباعه انه صاحب خلق رفيع ووجيه تتوفر فيه نخوة المكي الاصيل وطيبة تعيش بين خافق سريرته بابتسامة هادئة وصوت لا يتجاوز محدثه ولا نزكيه على ما قدم ولكن بحسن الظن فيه ومن كافة من عرفه، شخصاً عاش حياته للطوافة متبتلاً في حبها حتى في أيام مرضه ومعاناته مع الالم الأخير ولم تغب أفكاره وآراؤه لحظة عما يحقق الارتقاء بخدمات الحج والحجاج فهو صاحب حكمة ورؤية من له منظور فلسفي في الحياة عاشه متواصلاً مع خدين روحه السيد/ جعفر شيخ جمل الليل يرحمهما الله. ولابد أن نتذكر للمعلم الشيخ/ عبدالرحمن شلي وقبوله خدمة الحجاج الموزعين او حتى السائلين عن معلمين ابان العمل الفردي عندما كانت فلول طلائع حجاج الهند والباكستان تفد على البواخر ويكون وصولهم لمكةالمكرمة مبكراً كعادتهم لتأدية العمرة قبل ذهابهم للزيارة ويكون معلموهم لم تفتح مكاتبهم او مواقع استقبالهم للحجاج الموجهين اليهم بعد فقد كان بتنسيق مع الوالد الشيخ السيد/ محمود بن منصور علوي رحمه الله عندما كان مسؤولاً عن استقبال الحاج في مراكز الاستقبال على مداخل مكةالمكرمة.. يقبل هؤلاء الحجاج وكان بيته ومكتبه مفتوحاً لاستقبالهم وتقديم واجب طوافهم وضيافتهم بدون مقابل منه حتى أن معلمهم ومطوفهم اذا عرف بوصول حجاج له مبكراً راجعه واستلم الحاج فيما بعد لم يكن يطلب منه استيفاء الاجراءات النظامية بحقه في استقطاع نسبة ما يخصه من عوائد خدماتهم نظير ما قدم لهم (التأمين) ويعتبر ذلك واجباً بحق الحجاج لابد أن يؤدى لهم بنظرة من كانت مهنته شرفاً لمكي يعيش على ثرى مكةالمكرمة وبين اهلها يتنافس لنيله، ولم يقتصر عمله في خدمة الحجاج على فترة العمل الفردي بل استمر وتواصل في خدمة حجاج بيت الله الحرام في عهد العمل الجماعي للمؤسسات الاهلية للطوافة فلقد عمل نائباً لرئيس مجلس ادارة المؤسسة الاهلية لمطوفي حجاج دول جنوب آسيا للفترة من 5/8/1405ه وحتى 1/2/1413ه وحال مرضه استمر ابناؤه بالوكالة عنه في الانخراط بمواصلة العمل بها لخدمة حجاج بيت الله الحرام في مكاتبها التنفيذية ثم بمجموعات خدماتها الميدانية بمتابعة والدهم وبذا تكون خدماته لجنسيات حجاج بيت الله الحرام قد تواصلت طيلة فترة حياته واستمرت في عقبه حتى مماته ومن يعرفهم يدرك بوضوح ان كثيراً من عوائل اولئك الحجاج يتواصلون معه ومع اولاده بعلاقة تواصل اسرية وعلى وجه الخصوص حجاج المدارسة. أما قضايا تعاملاته مع كافة المطوفين من معلمين ومشائخ الجاوا ومطوفين فقد كانت من خلال الهيئة الابتدائية للمطوفين التي كان عضواً فيها حيث قدم عصارة فكره وتجاربه في الحياة في سبيل حل قضاياهم ومشاكلهم ونظر توريثهم للمهنة توريثاً نظامياً يتفق مع ضوابط التوريث الشرعي محافظاً على الحقوق المادية والواجبات المهنية وفق مقررات النظام العام للمطوفين.. منهجه في ذلك حب البساطة ولم الشمل والمحافظة دوماً على اسر المطوفين بالكلمة الطيبة واللسان الرطب وظل يسعى سعياً حثيثاً مع من زاملهم في الهيئة الابتدائية للمطوفين لاصلاح ذات البين وجبر المحتاج منهم واستمر في شرف ذلك العمل طيلة فترة حياته العملية وحتى وفاته رحمه الله. كما ان مشاهد الحج والصور الذهنية والوقائع التي كانت تزخر بها ذاكرته وتختزنها عن المطوفين واحوال معايشهم له فيها شيء من الاحساس الذاتي بمفهوم انساني هو المحافظة على خدمة الحجاج، اما الجانب الاجتماعي الذي يستحق التنويه عنه هو (البشكة) المكية القديمة المعروفة بلقبه عند أغلب أهالي مكةالمكرمة والتي يحلو فيها السمر والحديث بذكر الله في مجالسها بصورة مستمرة وعلى ما أعتقد لسنوات طويلة واعتبارها من اكثر البشك تواصلاً مع المجتمع المكي وهذه ميزة اختصاص لمن يؤرخ لها ولشخصياتها والتي لا أود ان أخوض في تفاصيلها أو أن أخص احداً من روادها بالذكر حتى لا أنسى منهم أحداِ وهم كثر .. وأتمنى من اعضائها الاحياء كتابة تاريخ تراثي مكي عن تلك البشكة ودورها الاجتماعي والثقافي في المجتمع وعاداتها واصول لقاءاتها وروابط التواصل التي جعلتها مستمرة لسنوات طوال لتظل دار السيد/ عبدالرحمن شلي مفتوحة لقاصديها مما يحتاج الى سرد آخر بتوسع اؤمل من ابنيه هشام وهاشم بارك الله فيهما أن يثريا هذا الجانب باستفاضة تؤصل لواقع ما يعين على اعداد وكتابة صفحات عن مكةالمكرمة في التاريخ المعاصر. واليوم لا أكتب تاريخاً عنه رحمه الله .. ولكنها مجرد وقفة تأمل لوقفات مضيئة لجانب من جوانب حياة المعلم الشيخ عبدالرحمن شلي غفر الله له.. وأنزل منازل الصالحين.. وادخله فسيح الجنان برحمة منه وغفران.. والدعاء له بالرحمة وان يلهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان وكل من عرفه سواء أكان مطوفاً او شيخاً أو معلماً او دليلاً او زمزمياً او وكيلاً او حملدارياً ينظم لقدوم حجاج بيت الله الحرام الصبر والسلوان ايضا وان يجعل ما قدمه لهم ولمهنهم ولحجاج بيت الله الحرام ولمكةالمكرمة في موازين الحسنات يوم القيامة، وأن ينفع ويبارك لنا في ابنيه السيد هشام.. والسيد هاشم شلي لمواصلة مشوار والدهم رحمه الله والسير على خطى نهجه في خدمة جنسيات الحجاج الذين اختص بهم والدهما، من خلال الالتزام بأصالة المكي الذي نذر حياته لحجاج بيت الله الحرام ولأهله ومجتمعه. وحسن الخاتمة أمل ودعاء لمن يطلب الآخرة في شهر ذي القعدة إلا لتظل سعادة الجوارح بهذه الخاتمة مرتبطة عنه بالحج والحجاج كما عشقها المعلم الشيخ/ عبدالرحمن هاشم شلي ونذر حياته لها.. ويالها من خاتمة؟!. (إنا لله وإنا إليه راجعون)