أصدر القاص جمعان الكرت عضو نادي الباحة الأدبي مجموعته القصصية الجديدة (عناق) والتي تضم ما يزيد عن 30 قصة قصيرة بالعناوين التالية:عناق، البقعة، الخبر، النسبة، غرفة 34، حنجرة الليل، اللزوجة، انكسار، ابن مهران، الشجرة، القناع، حكايتي قالتها، جذور ،غيمة صيفية، البئر، جابر الصفراوي، اشتهاء، علوم الديرة، أخشاب صدئة، الغاية، الزمن اللدن، لماذا جئت، المنفعة، إلى جانب عدد من القصص القصيرة جدا. وتتحدث قصة عناق بقول الكرت((( من شرفة منزله الحجري يمعن ربيع النظر في النتوءات الجبلية التي تطعن برؤوسها الفضاء الرحب.. ثمة إحساس بهيج انتابه حينما دلفت سحابة بيضاء من على سقف القمم العالية والبعيدة.. في لحظات تتوالد السحب وتتناثر لتتكدس كحقول القطن وتغطي مساحة النظر.. للمكان دهشته وحضوره الطاغي.. إذ غدا كلوحة فنان أصيل ضرب بريشته قنينة الألوان المائية.. زاد من ألق المكان رذاذ المطر وطيور خضراء كانت تغرد أثناء تماهيها من بين تشكيلات السحب المتراكمة. يرتشف ربيع الشاي الساخن بلذة عارمة.. لفناجين الشاي في مثل هذه اللحظات مذاق خاص خصوصاً وأن النسمات الباردة تهفهف أغصان الأشجار وأغصان الأجساد أخذ ربيع نفساً واسعاً.. أعقب ذلك رشفة لذيذة من فنجان الشاي.. انعطف في نظره إلى توأم عمره.. شجرة حماط تشبثت بأقدامها في التربة.. يقول والده بأنه غرسها عندما أطل ربيع برأسه إلى الدنيا رغم قامة الشجرة الفارعة بأغصانها المتشحة بالإخضرار إلا أن جذعها قد كشف عن فظاظة الزمن وقسوته. أخذت السحب البيضاء تجر بعضها بطريقة عشوائية وكأنها تود سدل ستار جماليات الجبال البعيدة.. فعلاً أصبحت الجبال بالكامل وراء ندف رقيقة بيضاء. أسلم ربيع نفسه لخواطر تواترت عليه دون سابق إصرار ربما شجرة الحماط كانت سبباً في تداعي أرتال من الذكريات المتناقضة.. لم يبق من فنجان الشاي سوى القليل.. النسمة الباردة غمرته ببرودتها.. تذكر معطفه الصوفي.. إلا أنه اكتفى بنثر ابتسامة باهتة دون مشقة البحث أو حتى الانفصال عن المكان. أثناء رؤية اللوحة الضبابية كانت تتكشف مسارات ضيقة يستطيع أن يرمق أجزاء من القمم الجبلية العالية سرعان ما تهيم سحابة جذلى على تلك الفراغات لتسدها لتأتي رياح متمردة تراوغها وهكذا يستمر العناد والتحدي يلعق ربيع ذكرياته وأحلامه دون بهجة، الصور تتكلس بملامح الغموض إلى آخر ما جاء بالقصة. وأهدى القاص جمعان الكرت مجموعته إلى القرية بما فيها من نجوم وقمر وشمس وطيور وغيوم وجداول وأنسام وصباحات ندية، ومساءات معطرة بأريج الكادي وإلى سكانها الطيبين وإلى القرية بمخزونها الثقافي والاجتماعي وإلى القرية التي تمنح الكاتب وهج الحروف وشفيف العبارة ليسكبها بحبر قلبه ويكتبها بأهداب عينيه. والمجموعة في مجملها تحكي أحداث شخصيات متباينة تتسم بعضها بالرمزية والتكثيف اللغوي وبعضها سردية مباشرة كقصة (علوم الديرة) مع الاهتمام بنمط الحياة القروية البسيطة في سراة الباحة. مستقطرا إياها بما يمتلكه من حصيلة لغوية وتجارب حياتية.