يعتبر المعلم أحد أهم ركائز العملية التربوية والتعليمية بل قطبها المحرك ا لذي يقوم عليه نجاح أو فشل العملية التربوية والتعليمية. وهو الذي يعول عليه في بناء كيان المجتمع وتنشئة الأجيال القادرة على تحقيق أهداف الأمة والمضي قدماً في مضمار الحضارة الإنسانية. وقد رفع الإسلام مكانة المعلم. فقال الرسول عليه الصلاة والسلام : ( إنما بعثت معلماً ) وقال الشاعر : كاد المعلم أن يكون رسولاً. وذلك لعظم الدور الذي يقوم به المعلم في تربية الأجيال. وقد أدركت الأمم المتقدمة أهمية التعليم وأنه الأساس في صناعة المستقبل وتحقيق الازدهار والنهضة والتقدم لمجتمعاتها من كافة الجوانب، فكرست جل اهتمامها بالمعلم وإعداده وتعليمه وتدريبه ليكون الروح التي تبعث الحياة في نهضة مجتمعاتها. ولأهمية هذا الدور لابد وأن يسند لتدريس أبناء الوطن ممن يحملون مؤهلات علمية وكفاءة مهنية وسلامة جسمية وعقلية ونفسية تتناسب مع حجم الدور الذي يقومون به لتحقيق أهداف مجتمعنا كما حددتها سياسة التعليم في المملكة من حيث : (الاهتمام بالطالب ونموه الروحي والاجتماعي وتهذيب أخلاقه وبناء اتجاهاته ومهاراته الاجتماعية التي من شأنها أن تجعل منه عضواً نافعاً منتجاً متعاوناً في تحقيق الأهداف الإسلامية ، مواطناً صالحاً محباً لدينه ولوطنه مضحياً في سبيل الدفاع عنه وعن مقدساته ومقدراً لمسئولياته..) ، وهذه الرؤى لا يستطيع أي معلم تحقيقها على أرض الواقع إلا من خلال معايير وشروط دقيقة في اختيار ممن يعول عليه في تربية الأجيال ، فمهنة التعليم من أشق المهن وأصعبها وهي تحتاج إلى مجهود جسمي وعقلي ونفسي كبير لمواجهة متطلبات الموقف التعليمي؛ حيث يواجه المعلم الكثير من المواقف التي تحتاج إلى شخصية متزنة قادرة على الضبط النفسي والصبر وفن التواصل والتعامل الذي يؤدي الى حسن التصرف. فالطلاب يأتون من بيئات متنوعة ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً ، وعليه أن يعامل كل فرد حسب طبيعته وخلفيته وإلا فإن الفشل في تحقيق رسالته أمره مؤكد. وللأسف فإن بعضاً من المعلمين يفتقرون لأبسط أساليب حسن التعامل مع الطلاب وكثيراً ما تحدث مشادات كلامية وألفاظ غير لائقة بالميدان التربوي ، وكثيراً ما يتطور الموقف إلى مشكلات بل ربما صراعات وتصل إلى ما لا يحمد عقباه ، وذلك ناتج من عدم التفهم الكامل لخصائص النمو في المرحلة التي يمر بها الطالب وعدم قدرة المعلم على التعامل مع نفسيات التلاميذ حسب خلفياتهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. بل إن بعضاً من المعلمين يعين على وظيفة معلم وهو يعاني من أمراض وعاهات مستديمة مثل شلل الأطفال أو قصور بعض الأطراف عن اداء وظائفها وآخرون يعانون من مشكلات نفسية متنوعة مثل القلق والشك والوسوسة بل ربما تصل إلى انفصام في الشخصية.. وحتماً هذه الأمراض الجسمية والنفسية تعيق المعلم عن أداء دوره التربوي والتعليمي ، وحسب التعاميم الصادرة من وزارة الخدمة المدنية ووزارة التربية والتعليم لا بد أن يبعد مثل هؤلاء عن التدريس إلى وظائف غير تعليمية. ولكن المشكلة الأساسية كيف يتم إثبات المرض النفسي حيث أن جلسة أو جلستين في مستشفياتنا العامة المكتظة بالمراجعين والتي لا تسمح فيها أوقات أطبائها بالجلسات المطولة مع المريض لإثبات حالته..!! فيعطى صلاحية العمل رغم كل التقارير المكتوبة عنه من مسؤولي التربية والتعليم. بل ربما تقدم بشكوى إلى هيئات أخرى مثل هيئة حقوق الإنسان وتظلمه مما كتب ضده.. ويبقى مستمراً في عمله رغم أنف الجميع..!! فأي تعليم هذا من معلم مهترىء الشخصية ، غريب الأطوار صعب المزاج ، حاد الطباع.. يعاني من شك ووسوسة وغيرها ؟ !!. فالمريض جسمياً معروف مصيره بل وحتى إثبات مرضه. وإذا كان بعض الناس لا يعترف بعيوبه فالمريض نفسياً لا يعترف مطلقاً بمرضه ولا يقر بعيوبه مهما كانت وفي هذا يقول ابن المقفع “ من أشد عيوب الإنسان إخفاء عيوبه عليه “. وسيستمر الحال على حاله. ولكن أين ما سمعنا عنه في صحفنا المحلية منذ عدة سنوات برغبة وزارة التربية والتعليم بتطبيق رخصة التدريس والتي أقرها مجلس الشورى في إحدى جلساته بإعطاء رخصة للمعلم في مزاولة المهنة ؟؟ لماذا لم تر النور حتى يومنا هذا ؟... يا عالم.. يا ناس.. الأمم الأخرى وصلت القمر والمريخ وغزت الفضاء ونحن نسير سير السلحفاء في استصدار رخصة لمن يؤتمن عليهم في تربية وتعليم فلذات أكبادنا !! ومن نعول عليهم في بناء مستقبل أوطاننا !! لماذا لا نستلهم من تجارب الأمم المتقدمة وما وصلت إليه من تطور علمي وتقني مثل ماليزيا واليابان وفنلندا وبريطانيا وأمريكا وغيرها حيث تجدد رخصة التدريس للمعلم سنوياً ولا تعطى أصلاً إلا بناء على معايير دقيقة جداً في سلامة المعلم من الناحية الجسمية والنفسية والعقلية ، فضلاً عن تأهيله وتدريبه المستمر وحصوله على دورات متقدمة لرفع كفاءته المهنية في مجال تخصصه ، بل مدى قدرته على التجديد والابتكار واللحاق بمستجدات العلم والتقنية ، فمتى تصل هذه الرخصة إلى ميداننا التربوي لنحقق أهداف أمتنا العليا.. أم سيظل الميدان التربوي يشكو بثه وحزنه إلى الله ويعلم ما لا تعلمون.