خلال رحلتي العلاجية في قاهرة المعز والثورة المصرية في أوجها حيث كان التحرك للتسوق والفسحة من المخاطر غير المحسوبة لاختلاط الحابل بالنابل ، قررت اصطحاب حفيدي ذي السبع سنوات إلى حديقة الحيوان للترفيه عنه من حبسة الفندق الاجبارية على أمل أن يشاهد محتويات الحديقة التي أعرفها منذ أكثر من خمسين عاماً عندما كانت خضراء تجري خلالها شلالات المياه الرقراقة وسماع هديل الحمام وزقزقة العصافير والقماري حيث كانت ملتقى الشعراء والعشاق من الفنانين ومحبي الجمال والغناء العربي الأصيل حيث تصدح صاحبة الحنجرة الذهبية السيدة (ثومه) على رأي جمهورها المصري العزيز وعبدالوهاب وأحمد قنديل وعبدالحليم حافظ ، حيث كانت تصور أجمل الافلام السينمائية في هذا المكان وكانت المفاجأة لي بالطبع أن الحديقة أصبحت حديقة اثرية للحيوانات المحنطة الهزيلة كبيرة السن والمريضة التي تئن من الجوع والحيرة حيث تذكرت حديقة الحيوان لدينا بالطائف المأنوس بالقرب من منطقة الردف حيث كان يعرض حمار حساوي أكرمكم الله على أنه نوع من أنواع أسود الغابة ، والناس على بساطتها وطيبتها من الأسر والأفراد تتحلق في جلسات خاصة لتناول الشاي بالنعناع الطائفي وشيء من الترمس والفول والمنفوش وسط تطاير الغبار حتى أن هذه الرحلة تنتهي إلى احدى مستشفيات الطائف النادرة في ذلك الوقت للعلاج من حساسية الصدر والأنف. المهم فى الموضوع لاكمال حدوته حديقة الحيوان بالقاهرة وخلال تجوالي مع حفيدي وقفنا عند جبلاية القرود وكما هو معروف يقف بجوار كل قفص من أقفاص الحيوانات بعض الحراس والمرشدين السياحيين ، يقومون بالشرح لزوار الحديقة والتي تصاحبها الدعابة غالباً وخفة الدم المصرية المحببة إلى النفس، فبادرنا حارس القرود بالشرح عن القرود وهي تقوم بالعابها البهلوانية المعروفة قائلاً هذا اسمه (القرد المنحرف) وبعد ان استفقت من نوبة الضحك سألته لماذا سمي بهذا الاسم والحيوان أصلاً لا يعقل قال يا بيه حط جنيه في جيب بنطلونك وقرب من القفص فقلت في نفسي سأجرب ما طلبه مني هذا الحارس الفهلوي وإذا بالقرد يتمعن في وجهي بعيونه البراقة وقام بحركة بهلوانية اعتقدت انه سيخطف النظارة الشمسية التي ارتديها ولكنه في لمح البصر خطف الجنيه ولاذ بالفرار إلى ركن القفص حيث تجمعت مبالغ مالية ، هي من نصيب هذا الحارس الذكي في اخر النهار، وفي لحظة تأمل كم من مقرد منحرف حتى من بني البشر يمارس الفساد والرشوة وسرقة الكحل من العين وهم يمارسون اعمالهم المشينة في هدر المال العام ونهب المكتسبات والارتزاق من أقوات الغلابة والمستضعفين لذلك أؤكد بالدعاء ، كان الله في عون هيئة مكافحة الفساد ورئيسها محمد الشريف المعين بإرادة ملكية سامية لاجتزاز الفساد وضربه من منابعه لتجفيف مجاريه الآسنة خصوصاً ان الانحراف عن جادة الصواب له مسميات عديدة ومبررات واهية ومزالق خطيرة في زحمة تسمية الاشياء بغير مسمياتها والأمثلة لا تعد ولا تحصى ومنهم لصوص الأراضي الذين أعلن عنهم في الصحف الأمير خالد الفيصل سلمه الله ومنهم المقاولون الذين يستميتون في الحصول على المشاريع الحيوية الوطنية وبالتالي يسلمونها من الباطن لمقاولين اخرين لا يملكون إلا عدة قلابات مهترئة ووايت ماء مخروم وسائقين يجوبون الطرقات وكأنهم يقودون مدرعات حربية تساقط المركبات الصغيرة لأنهم مؤمن عليهم وعلى مركباتهم لدى شركات التأمين التي (تلهط) المبلغ وعليك بالسبع دوخات للحصول على تعويض تلفيات المركبة رغم أن الأرواح لا تعوض ولاتقدر بثمن ، وبالمناسبة أتذكر مقالاً نشر في هذه الصحيفة الغراء للكاتبة الصحفية السيدة فاتن محمد حسين عن مشاكل الابتعاث والمبتعثين تحت عنوان (المبتعث ثروة الوطن المهدرة) العدد 16177 بتاريخ 5 فبراير 2012م وما عرجت خلاله على الكيل بمكيالين في بعض جامعاتنا لقبول خريجي البعثات وما اضحكني وابكاني في المقال نظرية (متعاون) أي تعاون ياصاح في ظل ما أكرم الله سبحانه وتعالى هذه البلاد المباركة من أموال طائلة وولاة أمر حريصين على رفاهية شعبهم وأليس من الظلم اذا كان هذا المتعاون والذي ضحى لعدة أشهر وهذه مراءاة للزيف والخداع لأنه يعلم أنه سيعين وتصرف مستحقاته بأثر رجعي نعم إنهم ثلة سيقفون يوم العرض الأكبر (وقفوهم انهم لمسؤولون) اما الرأس الكبيرة التي تحدثت عنها الكاتبة القديرة في مقالها فأقول وبالفم المليان إن مبدأ التخطيط الاستراتيجي خصوصاً في هذه القضايا مفقود منذ زمن طويل وإلا ما كانت هذه الاعداد الهائلة من خريجي جامعاتنا في تخصصات زعموا أنها ليست من الاحتياج رغم أن الدولة صرفت عليهم مليارات الريالات وشيء بحسابه الخاص وشيء على حساب الدولة ومن هذه النزاهة المزيفة أن بعضهم كان يرد فائض الميزانية غير المخصصة أصلاً لمنع هدر المال العام وتلميع صورته الخاصة حتى أننا ولسنوات طويلة سنعاني من هذاالتصرف الارعن لأن بناء الحضارة يحتاج إلى وقت ليس بالقصير فما بالنا إذا كان الأمر يتعلق بالبشر في الجامعات وغيرها خاصة وأننا مستهدفون في ديننا وعقولنا ووعينا واتمنى ان لا يكون سلوك القرد المنحرف هو الغالب ، والنزاهة والشفافية هي الاستثناء واطالب من هذا المنبر من كل أحد أن ينظر فيما حوله ووفق احتياجه الشخصي والاجتماعي والإنساني والصحي والتعليمي وغيره ليعرف كم من سلوكيات لبعض البشر تحاكي سلوكيات القرود المنحرفة جناها هؤلاء المجرمون بحق الوطن والمواطن وعليه الاسراع لابلاغ هيئة مكافحة الفساد التي تطالب الجميع بالتعاون معها بالابلاغ عن مواطن الفساد والياته والمفسدين في الأرض لينالوا عقابهم الرادع شرعاً وعرفاً وقانوناً وهذا ما نقرأه في صحفنا المحلية يومياً.وعلى الله قصد السبيل.