من المنتظر أن تكشف الندوة العلمية عن الجوانب الإنسانية والاجتماعية في تاريخ الملك عبدالعزيز التي تنظمها جامعة الملك سعود ممثلة في كرسي الأمير سلمان بن عبدالعزيز للدراسات التاريخية والحضارية للجزيرة العربية الكثير من المواقف التاريخية التي تعبر عن العلاقة الفريدة والعميقة بين مؤسس المملكة العربية السعودية وشعبه ومن المتوقع أن توثق أوراق عمل الندوة تلك الشواهد العظيمة التي أسست دوافع إيجابية لإنجاز كثير من الخطوات التنموية جعلت من المملكة العربية السعودية دولة تسبق بمنجزاتها الحضارية زمنها وبوقت قياسي . ووثقت كثير من الكتب والمصادر التاريخية مواقف من هذا القبيل ستقوم الندوة العلمية بتعميم دروسها المستقاة ، من ذلك أن الملك عبدالعزيز جنّب شعبه ويلات الحرب العالمية الثانية فلم ينجرف خلف التحزبات الدولية التي فرضتها تلك الحرب وإنسل منها بدبلوماسيته المعهودة والمشهود لها بالحيادية دون مساس بالمصالح المشتركة أو إضرار بعلاقته بالدول ، وهذه الحيادية الذكية إنما تترجم حب المؤسس طيب الله ثراه لشعبه وتجنيبه المغامرة السياسية في تلك الحرب ، كما كان جلالته رؤوماً ورؤوفاً بشعبه حين ألقت تلك الحرب العالمية بظلالها على الاقتصاد العالمي وعرضت المنطقة العربية لمجاعة ضارسة أدت لارتفاع في الأسعار نتيجة تردّي المواصلات وانقطاع الإمدادات الغذائية والصحية لشعوب المنطقة،فأنشأ مضافات للغذاء والدواء في مناطق المملكة العربية السعودية تمد سكان المدن وأهل البادية بالغذاء اليومي والملابس كما سيّر لمختلف المناطق شاحنات تحمل الغذاء والدواء والملابس المجانية على حساب الدولة رأفة بحالهم وصحتهم، وفي هذا الجانب يقول تقرير أعده ديكسون الوكيل السياسي البريطاني في الكويت عام 1945م /1364ه لصالح قسم الأغذية بمركز الشرق الأوسط للتموين بالقاهرة الذي أنشاته بريطانيا «وفي الرياض نفسها افتتح الملك عبدالعزيز أربعة مقرات مختلفة للضيافة ( المضافات )التي تقدم الغذاء المطبوخ مجاناً « وجاء في جزء آخر من التقرير الذي نشرت مجلة الدارة ترجمة لنصه الإنجليزي قام بها معالي رئيس التحرير الدكتور فهد السماري الأمين العام لدارة الملك عبدالعزيز في عدد شوال من عام 1430ه: « لولا إجراءات الإغاثة التي اتخذها هذا الصيف جلالة الملك عبدالعزيز الذي استخدم شاحنات الدولة دون قيود لنقل الأغذية إلى المناطق التي تعرضت لأقسى الأوضاع، لولا تلك الإجراءات لارتفع في الحقيقة معدل الوفيات بشكل كبير «. وتعكس تلك الأزمة التي أثرت سلباً على شعوب المنطقة وحالتهم الاقتصادية مواقف وشواهد للملك عبدالعزيز تثبت الحب والوفاء لشعبه المسلم من خلال حرصه على الدفاع عن مصالحهم حتى في وقت الأزمات ومما يذكر : « أنه عندما شحّت الموارد المالية في بعض السنوات،وأصبح من الصعب دفع كامل مرتبات الموظفين، بسبب الحالة الاقتصادية الضعيفة،طلب الملك عبدالعزيز من اثنين من رجاله حلاً لهذه المشكلة ، فرفعا اقتراحاً للملك مضمونه أن يسرّح نصف الموظفين لكي تتمكن الدولة من دفع مرتبات النصف الآخر، وانزعج الملك من هذا الاقتراح وتكلم عليهما كلاماً شديداً ، وقال لهما الملك : أنتما إثنان ، وعليكما أن تبدأ بتطبيق هذا الاقتراح بتسريح أحدكما مثل الآخرين . فارتبكا ارتباكاً شديداً ، وقال لهما الملك : تسريح هؤلاء الناس في وقت لا توجد فيه أعمال هو ضياع لهم ، ومؤثر في مصالحهم وحياتهم ، وبدلاً منه عليكما تخفيض الرواتب إلى النصف على الجميع، وبذلك يتم الإبقاء على الجميع إلى أن يغير الله الحال . فالملك عبدالعزيز يَعد نفسه جزءاً لا يتجزأ من أفراد الشعب وكثيراً ما يؤكد ذلك في خطبه ورسائله وقبل ذلك في أفعاله وتعاملاته التي يسودها الاحترام المتبادل ، فهاهو يقول في أحد المواقف معبراً عن احترامه لشعبه : « .. إني احترم الشائب منهم كأبي والوسط كأخي والصغير كابني . وهذا ما أعاهد الله عليه وأعاهدكم عليه، والحقائق ظاهرة كالشمس « ،ويقول طيب الله ثراه ضمن ما قاله من تعبير عن حبه للشعب : « إن خدمة الشعب واجبة علينا. ولهذا فنحن نخدمه بعيوننا وقلوبنا . ونرى أن من لا يخدم شعبه ويخلص له فهو ناقص»وذلك ما يترجم الروابط القوية بين القائد وشعبه من اللحمة والثقة والحب والولاء وتتضح تلك العلاقة في سياسة الباب المفتوح التي انتهجها المغفور له إن شاء الله الملك عبدالعزيز في علاقته بأفراد المجتمع واستقبال الشكاوى والاقتراحات وتسجيل الملاحظات دون وسيط أو قيود ، وسار عليها من بعده أبناؤه الملوك حتى صارت علامة فارقة في تاريخ المملكة العربية السعودية . ويقول كنث وليمز عن تلك العلاقة الوثيقة والشفافة بين الملك المؤسس وشعبه: « لا تجد بين ملوك العالم كله تتحدث إليه رعاياه بمثل الحرية المطلقة التي يتمتع بها رعايا المملكة السعودية ، ولا تجد بين ملوك العالم كله ملكاً له في نفوس رعاياه الاحترام الذي له ، هم يظهرون لمليكهم إخلاصاً غير محدود . إن اللحمة الوطنية المتماسكة بين الشعب الأصيل والملوك من أبناء الملك عبدالعزيز عبر أكثر من عشرة قرون زاهية هي نتاج ذلك الحب الذي زرعه الملك طيب الله ثراه في العلاقة الودودة مع شعبه فهو يقدم مصالحهم من أجل إرساء حياة رغيدة وسعيدة للمملكة العربية السعودية لا زلنا نجني ثمارها حتى يومنا الحالي.