كم هو جميل أن ترى شيئاً من صلبك يتحرك أمامك؛ يداعبك في براءة ودلال , يسرق ممن حولك الأجواء والأنظار؛ يأسرك بحديثه الأخاذ ؛ يفعل كما تفعل أنت في يوم من أيام صباك. نعمة من نعم الله هم الأطفال؛ يزينون حياتنا ببهجتهم وبراءتهم ؛ ويعلموننا بطيب سجاياهم وبصفاء قلوبهم كيف يجب أن تكون الحياة من غير حقد ولا رياء ولا نفاق. أستغرب كثيرا ممن حباهم الله بنعمة الإنجاب وكيف يمكن أن تقسو قلوبهم ويهملون فلذات أكبادهم أو يعاملونهم بقسوة وتسلط واستنفار, أو يستغلونهم بأبشع الطرق كوسيلة للإيذاء أو الانتقام , فما ذنب هؤلاء الضعفاء فيما جرت به مقادير الأمور في هذه الحياة , وما ذنب طفل بريء في نهاية اقتضت بانفصال والديه بخلع أو طلاق , أيكون هو الضحية الذي يدفع أخطاء والده أو استهتار والدته أو العكس؟. إن ساحتنا السعودية أصبحت مليئة بمشاهد الانفصال المتعدد الأشكال, وليس ذلك فحسب بل وأصبحت مليئة بضحايا أبرياء من الأبناء الذين لا ذنب لهم ولا خطيئة ورغم ذلك يدفعون ثمن زلات والديهم من السنوات الأولى المحسوبة في أعمارهم. هو واقع مؤلم نراه ونشهده ونتمنى لو يتغير ما بين يوم وليلة ألف مرة ؛ ولكن هيهات أن يتحقق ذلك إن كان الوالدان ممن تبنى فكرة الانتقام من الآخر وجعل الأبناء وسيلة لذلك. أخطأ من أعتقد أن ما يراه الإنسان في طفولته يُمحى مع مرور الزمان, وأنه لا يترك في الحياة بصمته وأن لا يداعب منامه أو يؤرقه , وأن يصبح ذكرى لا يهتز لها الوجدان, ما نراه في صغرنا نظل نذكره ونستشعر عمقه مهما مرت بنا الأيام. طفولتنا هي نبراس ينير طريق المستقبل , يبث فيه الأمل أو يزرع فيه الألم, فما بالكم بطفولة مضطربة متشتتة تملؤها النزاعات والمشاحنات والصراعات بين الوالدين؛ في هذا السن ربما لا يدرك الأطفال أبعاد وحقيقة الأسباب وإنما يستشعرون مدى الأسى الذي يسببه لهم أقرب الناس إلى قلوبهم. ربما لا يسألون اليوم لماذا فعل أبي هذا أو لم قامت أمي بذلك؛ ولكن سيأتي يوم لا محالة ويستفسرون عن تلك الأمور مهما طال بهم الزمن أو قصر؛ وربما السؤال في مرحلة متقدمة هو أصعب على نفس الإنسان , فقد رافق ذلك الغموض ألم طوال تلك السنوات السابقة وهو ألم مجهول الأسباب ومعروف الأضرار. يجب علينا أن ندرك أن الإنجاب مرحلة لا تقل أهمية عن مرحلة الإقدام والاستعداد للزواج, فإن كانت الأمور غير مستقرة بين الزوجين بعد الزواج فمن الأفضل أن لا تتكاثر المشكلات بالإنجاب, فعلى قدر ما يكون ذلك عامل سعادة واستقرار في أسر ما هو بالتأكيد عامل تعاسة وأسى في أسر أخرى, لذا فقرار الإنجاب هو قرار يجب أن يتشارك فيه الزوجان وذلك من حيث الرغبة والتوقيت والقدرة على تحمل المسؤولية, فاختلافهما في هذه الأمور من البداية سيؤدي بالتأكيد إلى مشكلات متفاوتة في المستقبل. اليوم أحمل كلمة بين جنبي؛ أبثها لكل أب وأم؛ أقول فيها أن تلك الروح التي وهبكم الله إياها هي عطية ربانية لا تحتمل الفصال أو الخضوع لمعايير الدنيا من حساب وعقاب وانتقام؛ هي نعمة تجسدت في روح إنسان هيأها الله لك؛ فإن لم تحسن إليها اليوم فلا تنتظر منها العطاء في الغد.