في قصيدة جميلة للشاعر الكبير حافظ إبراهيم ضمها ديوانه ، عبر الشاعر عن إعجابه بما شاهده في إيطاليا من تطور حضاري ، وتنظيم بديع في حياة المجتمع. لقد بهره التنظيم العمراني وجمال البيئة فقال: ليس فيها مستنقع أو جدار قد تداعى أو مسكن مهجور كل شبر فيها عليه بناء مشمخر أو روضة أو غدير | ولفت نظره احترام الناس للوقت ، وتوزيعه بين الجد واللهو: قسموا الوقت بين لهو وجد في مدى اليوم قسمة لا تجور كلهم كادح بكور إلى الرز ق، ولاهٍ إذا دعاه السرور ثم يصف ولع القوم بالنظافة ، ويشبه طرق المدينة بالمرايا: ولع القوم بالنظافة حتى جُن فيها غنيهم والفقير فإذا سرت في الطريق نهاراً خلت أني على المرايا أسير | وإذا كان هذا التعبير الشعري قد صدر منذ زمن بعيد (1923م) فإننا نجد الآن من ينقل لنا الصور ذاتها - إن لم تكن أجمل - فمعظم الذين ساحوا في أرض الله الواسعة حملوا لنا بعد عودتهم انطباعات شتى عن الدول التي زاروها ، تكشف عن نواحٍ ايجابية يمكن أن تجيب على السؤال: كيف نبني المجتمع الحضاري؟. -من تلك الإيجابيات التي نسمع أو نقرأ عنها: | العناية بالنظافة العامة، وشعور الفرد بأنه ملزم بواجب المشاركة في إظهار حيِّه أولاً ثم مدينته التي يقطنها في أجمل صورة. | احترام الجميع للأنظمة والتعليمات المحددة لكل اتجاه ، وعدم تجاوز الحدود أو القفز على الحواجز!. | تجلي «الأداء الفعال» في العمل ، وحرص الناس على «الوقت» الذي لا يقبل الضياع (ولو في دقائقه) ، لأنه العامل المهم في تحقيق الإنجاز الحضاري وسرعته. | توفر فرص العمل - وفق المؤهلات والكفاءات - وانعدام وباء (الوساطة) التي قد تتسبب في حرمان المستحق من وظيفته. | سهولة حصول الفرد على الخدمات التي يحتاجها، ووضوح مجريات التعامل بين مرافق الخدمة والمستفيدين. -وأشياء عديدة ، هي في حقيقتها ، مفردات الخطط التنظيمية ، التي تحدد واجبات المسؤول ، وكل فرد في المجتمع. | وإذا ما شعرنا بفارق التقدم الحضاري بين بيئتين مختلفتين ، فإن ذلك يعني الفارق في الوعي الثقافي بين المجتمعين. - إن بلادنا العزيزة لديها - بفضل الله تعالى -من الثوابت والمقومات الرئيسية المستمدة من مبادىء ديننا الحنيف ، وقيمنا وعاداتنا الأصيلة، ما يكفل للمجتمع النهوض بأي عمل مفيد، واتمامه على الوجه الأكمل ، فالشعور الوطني الذي تأصلت فيه المعرفة لهذه الثوابت والإيمان بها ، لا يتردد لحظة في العمل وفق مبادئها..وحين يدعو ديننا الحنيف ، وتحث قيمنا وعاداتنا على : العمل بإخلاص ، وقطع الوقت فيما يفيد، واحترام الحقوق ، والسعي إلى الرزق الحلال ، وتيسير أمور الناس ؛ فإن اقتران القول بالعمل كفيل ببناء المجتمع الفاضل الذي لا تضاهيه تلك المجتمعات (الآلية)!. - وبلادنا الحبيبة التي يفد إليها ملايين البشر من أنحاء المعمورة تظل - بحول الله وقوته - الصورة المثلى للحياة الكريمة ، والمشاهد الحضارية الراقية، وعلينا كمجتمع إسلامي القيام بما توجبه علينا ( المواطنة الحقة) ، ودعم جهود وطموحات ولاة الأمر وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين ، وولي عهده الأمين ، والنائب الثاني ، حفظهم الله في خطواتهم الرائدة نحو توفير الرخاء والطمأنينة والسعادة لكل مواطن ومقيم وزائر. والله ولي التوفيق.