مدرس بسيط عشق مهنته بعمق , قام بدوره على أكمل الأوجه , قدم لمكة ولأبنائها الكثير , عاش في حواريها منذ نعومة أظفاره , ونشأ وتربى على يد معلم هيأه بأن يعتنق مهنة التدريس والتعليم , بل وتصبح هذه المهنة جزءا مهما لا يتجزأ في حياته. لا نتكلم اليوم عن مخترع جبار , أو عن عالم فذ , أو عن فنان عشقه جمهوره , أو عن سفير أدى دوره على أكمل وجه , كما أننا لا نتكلم عن سياسي محنك , ولا عن اقتصادي مخضرم , أو رجل أعمال تداول السوق الحر اسمه فشاع هنا وهناك. نحن نتكلم اليوم عن إنسان بسيط جدا , اعتنق رسالة سامية , لا يمتلك سوى الخلق العظيم والسلوك القويم مما زرع حوله الآلاف من المحبين. ألا يبدو ذلك غريبا في زمن شح فيه الحب النقي الخالي من المصالح والمنافع المتبادلة ؟! قد يبدو غريبا في أول الأمر إلا أن كل من رأى مراسم تشييع جثمانه يدرك جيدا كمية الحب التي التفت حول هذا الإنسان والخالصة لوجه الله تعالى دون غيره , فما الفائدة من المنافقة والرياء لشخص لم يدرك ذووه محبة الناس له إلا يوم جنازته. يقول زميل له في عمله : لقد زاملت الأستاذ / أبو محمد قرابة سبع سنوات في ثانوية الملك فهد قبل أكثر من عقد من الزمان , وما عرفته إلا محباً لعمله باذلاً ما يستطيع في سبيل تذليل الصعاب أمام طلابه , وفياً لزملائه وأصدقائه , كثير التبسم ومتفائلاً على الدوام , وقد كان - رحمه الله - متعاوناً مع زملائه في قسم العلوم الطبيعية دائماً وكنا نحن في الأقسام الأخرى نغبطهم على ذلك التعاون المثمر والبناء. ويضيف آخر فيقول قضى أبا محمد جُل عمره معلما متعلما , وقد عُرف بحبه للناس وبحب الناس له , وقد كان حنونا متفهما لزملائه , داعما للمحتاجين من طلابه , قائدا للخير ومعطاء له. أما الأخير فقد اكتفى قائلا : رحم الله أبو محمد صاحب الخلق الرفيع والعمل المتقن. أما طلابه فقد كان خبر وفاته بمثابة صاعقة حلت عليهم , فقد افتقدوه في غيابه أسابيع معدودة , وقد صبروا أنفسهم على أمل عودته , وأصبح السؤال عنه هو شغلهم الشاغل , ثم صار الدعاء له والصدقة على روحه شيئاً بسيطا أمام ما قدمه لهم في حياته , وقد قال أحدهم : لن تجف مدامعنا على أستاذنا فقد فارقها بعد أن سكن قلوبنا , وما غرسه فينا باقٍ لا يمحوه الزمان ولا المكان , هو الأب الذي يعطف ولا يقسو ويجزل العطاء ولا ينتظر الجزاء. و لا تكفينا السطور ولا الكلمات لنسجل ما قد يقال في رثاء أب ومعلم وزميل جعل الحب والعطاء عنواناً ملازما لاسمه وحضوره ؛ إلا أن مثل هذا الموقف يدعونا للاستغراب من الكثير الذين لا يعون أبعاد الموت وحقيقته , فمتى يدرك الإنسان أن وجوده في هذه الدنيا مؤقت؟ , وأنه سيفارقها بلا محالة ؛ وأن ما يبقى له هو العمل الصالح والذكرى الحسنة والأثر الطيب , وأن ما قُسم له من خير فهو نعمة من الله ينبغي أن يستثمرها في نواحي الخير والبناء , وأن ما قُسم له من بلاء هو قدر وامتحان يرفع الله به قدر صاحبه ويختبر به إيمانه ويثقل به موازينه. إن لنا في الموت عظة وعبرة وحكمة , فالعظة تتجلى في النهاية فكلنا عند الله واحد ومصيرنا في الحياة واحد ولا بقاء إلا لوجه الكريم , أما العبرة فهي بالخواتيم والدلائل لذا ندعو الله على الدوام بحسن الخاتمة على أن تكون بتوبة مقبولة وشهادة طاهرة مرفوعة , وتبقى الحكمة في قبض الأرواح وانقضاء الآجال كامنة في الانتقال من دار الزوال إلى دار الخلود والكمال مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن ذلك مستقرا وحسن أولئك رفقة. رحم الله عمي الغالي الأستاذ عادل بن شرف آل شرف , وأسكنه فسيح جناته , وألهمنا وذويه وأحبابه الصبر والسلوان .